!الاستقواء على الصحفيين.. لمصلحة من..؟
احتلت “جزر القمر” هذا العام المرتبة الاولى عربيا في حرية الصحافة، حيث اعتبرت، حسب تقرير منظمة مراسلون بلا حدود، الدولة العربية الأكثر ممارسة لحرية التعبير، وتم تصنيفها في المرتبة 50 عالميا ، بعدها جاءت موريتانيا التي شهدت تقدما كبيرا في حرية الصحافة خلال السنوات الأخيرة من خلال إلغاء احتكار الدولة للإعلام السمعي البصري وإلغاء تجريم الصحافيين بسبب كتاباتهم وإلغاء عقوبة سب الرئيس، اما الاردن فقد احتل المرتبة 11 عربيا (143 عالميا )فيما ظلت المراتب الثلاث الاخيرة من نصيب الصومال والسودان وسوريا على التوالي. كنا – بالطبع – نتمنى ان يقفز الاردن الى المرتبة الاولى عربيا كما فعلت جزر القمر او الثانية بدل موريتانيا ( تصوّروا ..!) ، لكن ذلك، للاسف، لم يحدث، فقد تراجع ترتيب الأردن على مؤشر حرية الصحافة في العالم للعام 2015 والذي تصدره منظمة مراسلون بلا حدود درجتين إذ حصل على المرتبة 143 من بين 180، بعد أن كان في المرتبة 141 العام الماضي، وكان (الاردن) فقد خلال خمسة الأعوام الماضية 23 درجة على المؤشر العالمي، إذ استمر التراجع بشكل لافت منذ العام 2002 عندما حل في المرتبة 99 من أصل 134 دولة، حتى بدأ لمزيد من التراجع عام 2010 عندما حل في المرتبة 120 من بين 173 دولة، وقفز مؤشر الأردن بشكل لافت في العام الماضي 2014 عندما حل في المرتبة 141 من بين 180 دولة، وهذ مزعج بالتأكيد، ويحتاج من الحكومات – تحديدا – الى فك كثير من الالتباسات التي تحيط بموقفها من الصحافة والاعلام، فهي تصر – دائما – على انتقاد التقارير الدولية التي تشير الى تراجع الحريات في بلدنا، وتعد – باستمرار – بتغيير او تعديل كافة التشريعات والانظمة التي تتعارض مع ذلك، فيما الواقع يشير الى موروث من المواقف الرسمية التي تتسم بالفوبيا تجاه اي وسيلة اعلام مستقلة ، او رأي حر، ويكفي – هنا – الاشارة الى موضوع الحبس والتوقيف الذي يهدد الصحفيين ( دعك الآن من العقوبات الاخرى غير المباشرة ) والذي التزمت به كل الحكومات المتعاقبة بشطبه ولم تفعل. المناسبة هي انه وبينما نتصدى للرد على تقارير المؤسسات الدولية حول تراجع الحريات في بلادنا، وبينما نطالب بفتح الانسدادات الاعلامية والسياسية لتجاوز ما نعانيه من انسدادات اقتصادية، وبينما نفكر بانشاء محطة تلفزيونية مستقلة، نفاجأ بحلول ومقررات اخرى تصب في عكس الاتجاه، آخرها القرار الذي صدر عن الديوان الخاص بتفسير القوانين ( بطلب من رئيس الوزراء) حول جواز توقيف الصحفي بناء على مادتين وردتا في قانوني الجرائم الالكترونية واصول المحاكمات الجزائية، وهو ما يتعارض مع المادة (42) في قانون المطبوعات والنشر التي نصت على ما يلي” على الرغم مما ورد في اي قانون اخر” اي انها حصرت محاكمة الصحفيين بقانون المطبوعات والنشر باعتباره قانونا خاصا. لا اريد ان اعلق ، فالصحفيون قرأوا “المكتوب” من عنوانه “ وبوسعهم ان يردوا عليه بطريقتهم ، لكن ارجو ان اذكّر اخواننا المسؤولين الذي لا يسعدهم ان يكون لدينا اعلام حر او صحافة تتمتع بما يلزم من عافية ان عنوان الحرية ( لا التوقيف او الحبس ، ولا القيود او العين الحمرا )، هو المفتاح الحقيقي للدخول في نقاش مشكلة الاعلام ، ولا يهمنا من هو الذي “صادرها” او قصّر في انتزاعها ، المهم ان تعود “بتوافق عام” وان تسترد بلا ابطاء لكي نبني عليها -بالتالي – ما نريده من مطالب وحقوق وتشريعات وتقاليد واعراف اعلامية.. والاهم ان نبني من خلالها “الاصلاح” الحقيقي الذي يخدم بلدنا ومجتمعنا ويحررهما من صراعات القوى ومخاوفها من الاصلاح ومن سطوة المقررات التي اورثتنا الخوف والعجز، ومن حالة اليأس والارتباك. لا بأس ان نذّكرهم -ايضا- ان تحرير الصحافة واعادة الحرية لها يحتاجان لتحرير ثقافتنا من جمودها، ومجتمعنا من سكوته وعزوفه عن المشاركة ، وقيمنا من انكساراتها المفجعة، وحكوماتنا من المزاجية في اتخاذ القرارات ، واستخدام العصا والجزرة لتلوين المواقف، وايضا تحرير انفسنا ككتاب وصحفيين من اغراءات الشهرة والمكاسب الشخصية على حساب المصداقية والمهنية وخدمة الناس ، الذين هم الهدف الاساس لانجاح أي صحيفة او وسيلة اعلامية واستمرارها. نحن في كل هذا لا ندافع عن حرية الصحفيين فقط، وانما عن حرية الناس وضرورة استقامة موازين العدالة امامهم ، كما اننا لا ندّعي اننا كصحافيين لا نخطيء او اننا مسثنون من المحاسبة، ولكن نحن نعبّر عن ضمير المجتمع ولا يجوز ان نحاكم استباقيا او ان يلوح لنا البعض بالعصا لنصمت، لا يمكن ان يحصل ذلك، ليس لاننا نريد ان نحمي انفسنا وانما لاننا نحب بلدنا وندافع عنه ولا نريد لاحد ان يستقوي علينا بالمزاودة او باحتكار الصواب. –