ليس كافيا الاعتذار
تسأل عن اخلاقيات الدول التي تساوي النظام بالشعب، وهذه خطيئة كبيرة تتورط فيها دول كثيرة، ولايحاسبها احد. صدام حسين الذي اقتحم الكويت، وخرج، تمت معاقبة الشعب العراقي على مدى ثلاثة عشر عاما، نيابة عن صدام ذاته، وكل الدول التي طبقت العقوبات، كانت تعرف ان الشعب العراقي، هو الذي يجوع ويموت، ويتعرض للتنكيل فيما صدام حسين في قصره، لايتعرض لشيء، حتى جاء احتلال العراق. ملايين العراقيين الذين قتلوا او تشردوا او جاعوا، ماعلاقتهم بدخول صدام حسين للكويت، ولماذا تصير معاقبة الشعب هنا، بديلا عن معاقبة النظام ذاته؟!. ليس السؤال متأخرا، لكنه يخرج عندما تسمع اعتذار رئيس الوزراء البريطاني الاسبق توني بلير الذي يعتذر بسماجة عن الاخطاء الاستخباراتية في الحرب على العراق، وهذا اعتذار غير كاف، لان هناك شعوبا دفعت الثمن جراء هذه الاخطاء، وهي شعوب بنظير كثيرين، لاقيمة لها ولاوزن. اسلوب معاقبة الشعوب، نيابة عن الانظمة، غير اخلاقي وغير عادل، والقصد منه طبعا تدمير البنية الداخلية، لغايات تثوير الشعب على النظام الموجود، وهي نظرية بائسة وغير اخلاقية، وغير معقولة، تفترض اساسا قدرة اي شعب محاصر او تتم معاقبته على الثورة لاسقاط النظام، كرمة لعيون من يعاقبون شعبا بأكمله. ذات القصة نراها في غزة، فاسرائيل ومن لايريدون حماس في غزة، لايعاقبون قيادات حماس، والذي يدفع الثمن هو الابرياء من اهل غزة، في حياتهم وعلاجهم، ورزقهم وسفرهم، فأين المنطق الاخلاقي الذي يقول لك ان بأمكانك ان تعاقب أهل غزة، نيابة عن حماس. ذات الفكرة.اي التخطيط لتثوير اهل غزة على حماس، لان حماس جلبت عقوبات لهم بشكل غير مباشر، لكنك لاترى ثورة في غزة ضد حماس، وكأن مخطط التثوير هنا، لاينجح، وهو لايجري كما يريدون، لان الناس متعبة، ومرهقة، ولاتتجاوب مع هكذا طريقة يقال عبرها اننا سنذبح اولادكم اذا لم تثوروا على حماس، وهي طريقة مهينة وسيئة، وذات اثر عكسي. المراهنة على تثوير الشعوب، على الانظمة، عبر الحصار، وعبر استبدال النظام او الحكام، المطلوبة رؤوسهم، بالشعوب، مراهنة بائسة وغير اخلاقية. هذا العالم الحر المتنور، عليه ان يفهم.اذا اردتم صدام حسين- مثلا- فأذهبوا اليه مباشرة، ولاتذهبوا للعراقيين ذاتهم، واذا اردتم غيره من انظمة او رموز او قيادات، فصفوا الحسابات معهما مباشرة. كل هذا على افتراض ان لهم حقا اخلاقيا في الاساس على هكذا ممارسات وقرارات، وللاسف، لانقف عند هذه النقطة وحسب، بل يشارك العالم في جرائم ابادة جماعية في العراق وفلسطين ودول اخرى، فتتم معاقبة الشعوب، فيما يتسلى الحاكم او القيادي او الرمز باصدار البيانات، والاختباء بعيدا، فلا يصله شيء، من قتل او حصار، او غياب دواء. ويبقى السؤال موجها الى بلير: من سيدفع كلفة الاخطاء التي تتحدث عنها، كلفة الموت والقتل وتبديد المال وتضليل الشعوب، وهي كلفة عراقية وبريطانية وغربية وعربية ايضا؟