قانون الانتخاب.."ضربة معلم" للرئيس النسور
يستحق رئيس الحكومة الدكتور عبد الله النسور ووزيره للشؤون السياسية والبرلمانية الدكتور خالد الكلالدة والفريق الوزاري التصفيق بعد تقديمهم مشروع قانون الانتخاب.
ربما لا يكون مشروع القانون الذي قدم هو التصور المثالي الذي نريد، غير أنه بالتأكيد “مدماك” في بناء الإصلاح بالأردن وخطوة نحو الأمام.
طال انتظار قانون انتخاب عصري يخرجنا من تيه الصوت الواحد، قبل أربع سنوات لاحت فرصة ذهبية لإقرار قانون توافقي قدمته لجنة الحوار الوطني عند بدء ما سُمي “الربيع العربي”، لكن ماكينة الشد العكسي عطلته فأضعنا مرحلة كان يمكن أن تستثمر في البناء الوطني ودفع عجلة التنمية بوجود برلمان أكثر تمثيلاً للمجتمع.
ما حدث قد حدث، والبكاء على أطلال الماضي لا يفيد، ونحن الآن بين يدينا مشروع قانون؛ ردود الأفعال عليه، باستثناء الأحزاب السياسية، إيجابية.
وبضمير مطمئن يمكن القول بأن مشروع قانون الانتخاب يتضمن العديد من التوجهات الإيجابية التي لا يمكن إغفالها، أبرزها وأهمها اعتماد مبدأ التمثيل النسبي من خلال القوائم المفتوحة وإلغاء الصوت الواحد، وهذا الواقع يفرض التنسيق بين المكونات المجتمعية، ويعزز فرص التكتل بين الأشخاص والتيارات السياسية، ويضع على رأس أولويات الكتل أن تفكر بخطاب يتجاوز حدود العشيرة والخدمات لتستقطب جمهور الناخبين المتنوع إن أرادوا لقائمتهم أن ينتخبها الناس.
رحل الصوت الواحد بعد ما يزيد على عقدين من التجربة البرلمانية، واليوم كل الأنظار تتجه نحو برلمان جديد يملك آليات عمل ورؤى مختلفة.
أبرز الإيجابيات في مشروع القانون هو التحرر من الدائرة الصغيرة نحو المحافظة، ما يعزز فرص الشخصيات السياسية العامة التي يعرفها الناس ويقدرون مساهمتها في الحياة المجتمعية، بدل الغرق في شخصيات لا يعرفها أحد خارج أبناء العشيرة، ولا تملك رصيداً من العمل المجتمعي أو العام، ومع ذلك وبفضل تقسيمات الدوائر “المجهرية” استطاعت أن تتبوأ مقعداً نيابياً من المفترض أن يعبّر عن الشعب في كل بقعة بالأردن.
وأكثر ما يلفت الانتباه في مشروع القانون هو تشدده في العقوبات للجرائم الانتخابية وتحديداً ما عرف باسم “المال السياسي”، حيث شاع في السنوات الماضية شراء ذمم الناخبين بوسائل مختلفة مباشرة وغير مباشرة، ووقفت الحكومة وأجهزتها مكتوفة الأيدي ولم تتحرك إلا بشكل محدود وكانت تتذرع بأن القانون لا يسعفها في ملاحقة هذه الجرائم، فجاءت عقوبات السجن الرادعة وتوسيع دائرة الملاحقة والتجريم لوضع حد للتأثير على إرادة الناخبين وتشويه صورة الانتخابات.
قلنا إن مشروع قانون الانتخابات قد لا يكون النموذج الأفضل، فهناك انتقادات وملاحظات عليه، ولكنه سعى للأخذ من المعايير الدولية وأفضل الممارسات العالمية، وتبقى الكرة في مرمى مجلس الأمة والأحزاب السياسية والمجتمع المدني للحشد والتعبئة لتعظيم الإيجابيات وتلافي ما أمكن من السلبيات.
فمن الملاحظات التي أثارت غضب الأحزاب السياسية إلغاء القائمة الوطنية، وكنت أتمنى لو خلقنا تزاوجاً بين القائمة النسبية وقائمة وطنية حزبية مغلقة حتى إن كانت بمقاعد محدودة في التجربة الأولى، وعلينا الاعتراف أن تجربة القائمة الوطنية في البرلمان الحالي لم تكن مشجعة، وبعض مَن فازوا واجهات لأحزاب وقوائم غير موجودة في الواقع ولم يعرفها الناس الا فترة الانتخابات.
أكثر ما يقلقني في مشروع القانون هو غياب معيار واضح لعدد المقاعد في المحافظات أو الدوائر الانتخابية، وترك الأمر بيد الحكومة في النظام الانتخابي يثير المخاوف، وكان الأفضل اعتماد معيار يراعي عدالة التمثيل، فهل من المعقول بعد كل هذا الحديث عن الظلم والإجحاف في التمثيل للمدن الكبرى عمان، الزرقاء، إربد، يُتَداول أنها ستحظى فقط بسبعة مقاعد إضافية في النظام الجديد والانتخابات القادمة؟!
من الغريب أيضاً هو احتفاء الحكومة بالمغتربين هذا العام وتنظيم مؤتمر لهم برعاية ملكية، ولكن يجري تجاهل حقهم في التصويت في السفارات الأردنية.
قد تكون هناك ملاحظات أخرى على القانون، ولكن حتى صدور النظام واللائحة التنفيذية لا يمكن الحكم عليه بصورته النهائية.
لم ينته الأمر، فما قدمته الحكومة سيكون ساحة تجاذب للنواب والأعيان، فالحقيقة التي لا تغيب أن قانون الانتخاب يعبر عن صراع المصالح، وهذا يعرفه النواب، وهذا أيضاً يظهر جدية الحكومة في الدفاع عن مشروعها، وهذا يزيد التكهنات بأن حكومة النسور ربما تبقى حتى لو خضعت للتعديل لتخوض معركة الدفاع عن القانون.
مختصر القول:-ما فعله الرئيس “ضربة معلم” لتثبيت وجوده.