المفتش
في الأيام الأولى لتأسيس النظام التعليمي الأردني كانت هناك وظيفة مهمة يطلق عليها “المفتش”، يرفّع لها معلمون ومديرون ممن أظهروا قدرة وكفاءة وتميزا في اداء مهنة التعليم والادارة.
كان المفتشون القوة المحركة للتطوير والتغيير، بعضهم يفتش على أساليب التعليم وطرق التحضير والتزام الأساتذة والمدارس يالمنهاج ومدى تقدم أو تأخر المعلم في تغطية المنهاج. يدققون دفاتر التحضير وسجلات العلامات ويحضرون حصة أو أكثر، يطالعون أسلوب إدارة الصف وتجاوب الطلبة.
القليل من جولات التفتيش معلومة المواعيد وغالبيتها مفاجئة، ما أبقى النظام التعليمي متيقظا وجاهزا للزيارات. في ذاكرة قدامى المعلمين والطلبة عشرات القصص عن الزيارات التي قام بها المفتشون والأجواء المدرسية لتلك الأيام، وكيف كان يرتبك بعض المعلمين بحضور المفتش الذي يتجه للجلوس في آخر المقاعد يراقب التفاعل الصفي ويكتشف النبوغ المبكر لبعض الطلبة ممن تمكنوا من الإجابة عن الاسئلة الصعبة التي كانت تبدو كالأحاجي.
منذ عقود ومع اتساع وانتشار التأهيل التربوي وحصول المئات من المعلمين على درجة الدكتوراة والآلاف على الماجستير والدبلوم، وكنتاج لمؤتمرات التطوير التربوي ومحاولات التحديث جرى تبني مسمّى “الموجه التربوي”، وتحول المئات من التربويين إلى وظيفة الموجه التربوي الجديدة.
التعليم الجديد الذي استند إلى النظريات التربوية الحديثة والنظر لأركان العملية التربوية وديمقراطية التعليم ومراعاة الفروق الفردية فتح مجالا واسعا لاجتهاد البعض ودفعهم إلى الخلط بين الحرية والتسيب؛ فظهر التباين وغابت الروح التي ألفناها لمدارسنا ومعلمينا ومستقبلنا.
منذ تأسيس الوزارة توالى على قيادتها شخصيات حظيت باحترام وتقدير مجتمعها كذوقان الهنداوي ومحمد أديب العامري وإبراهيم القطان ونوري شفيق وحكمت الساكت وسعيد التل وغيرهم ممن حرصوا على احترام التقاليد والحفاظ على قدسية النظام التعليمي.
بعد هذه الحقبة أصبح التعليم في الأردن موضعا للاجتهادات في التخطيط والتنظيم والإدارة وأشكال التطوير.
وخلال العقدين الماضيين لم يشعر المواطن بتقدم كبير في التربية والتعليم، وقد يكون ذلك بفعل ما يحدث في الإقليم، لكنّ الواضح أيضا عدم وجود ثبات في رؤية الدولة حول ما يحتاجه القطاع من إدارة وقيادة وتخطيط وموارد، فتارة نغرق المدارس بالحواسيب ثم نقرر إلغاء تخصص المعلوماتية برمته.
تنوع الخلفيات المهنية ومحاولة إسقاط التجارب الإدارية للوزراء في حقول أخرى جعلا القطاع يتأرجح بين اهتمامات متنوعة على حساب تجويد العملية التعليمية؛ فتارة نهتم بعدد الأجهزة الإلكترونية في المدارس حتى وإن لم يجرِ استعمالها، ومرة نركز على ضبط الامتحان والحد من حالات الغش.
اليوم وبعد ظهور نتائج الثانوية العامة وتدني مستوى إنجاز الطلبة ووصول الجميع إلى قناعة أن هناك خللا يستوجب الإصلاح.
فماذا يمكننا أن نعمل؟ هل سنبقى منشغلين في مخاطبة الدرك وديوان المحاسبة لمساعدتنا في منع الغش؟ أم سنتجه نحو استراتيجيات أخرى؟ ما الذي عملته الوزارة خلال العامين الماضيين؟ والذي ستعمله لتحسين كفاءة المدارس والعملية التعليمية؟.
بعد ان قيل لنا عن وجود مئات المدارس التي لم ينجح منها أحد؛ ماذا عملت التربية والتعليم لكي يتحسن أداء هذه المدارس، وهل تحسّن فعلا؟
للتعليم عشرات المشكلات التي تم تعريفها، وهي تحتاج إلى حلول لا إلى إعادة تعريف؟ وضبط الغش إجراء جيد يعيدنا إلى الحالة التي كانت تجرى عليها الامتحانات في الستينيات والسبعينيات. لكن ذلك لا يطوّر التعليم ولا ينهض بواقعه؟
وزارة التربية هي المسؤول الأول عن النجاح أو التقصير في اداء الطلبة، فلديها ثلث الشعب الأردني بين معلمين وطلاب، ولديها كل آذان الأردنيين لسماع ما يمكن أن يقولوه لنا لنساعدهم.
اليوم ينعقد مؤتمر تربوي لمناقشة أوضاع التعليم في الأردن. نتمنى للمؤتمر النجاح في اجتراح برامج تنهض بالعملية التعليمية التي لم تعد تحظى برضى الأهالي وتشغل بال الوزارة والأجهزة التي أصبحت شريكة في إدارة الامتحانات.