"لم ينجح أحد" … كارثة التعليم
بعد رعب التوجيهي السنوي الذي المستمر منذ عقود، وبعد احتفالات الرصاص الطائش ابتهاجاً بالنجاح حتى ولو كان المعدل 51 %، وظهور أسلحة رشاشة في فيديوهات مصورة أمام بعض المدارس ونشرت على “الفيسبوك”، بعد كل هذا تأتي صدمة الإعلان عن مدارس لم ينجح بها أحد.
هذه العبارة “لم ينجح أحد” مؤلمة ومخجلة، ولكن الحقيقة الفاجعة انها ليست وليدة عام 2015، بل امتداد لسنوات مضت، والأمر يتكرر والاتهامات يتقاذفها الجميع، ولا حلول سريعة وناجعة ولا عصا سحرية نلقيها لينجح كل الطلبة والطالبات.
الأرقام المتوفرة بين أيدينا تكشف حجم الكارثة، فهذا العام 2015 بلغ عدد المدارس التي لم ينجح بها أحد 89 مدرسة، منها 69 في الباديتين، ويقر مدير تربية البادية الشرقية الدكتور رياض شديفات بأن 50 مدرسة لم ينجح بها أحد من أصل 75، في حين يقول مدير التربية في البادية الشمالية الدكتور صايل الخريشا بأن 19 مدرسة لم ينجح بها أحد من أصل 54 مدرسة، وفي الأغوار الجنوبية 12 مدرسة من 14 مدرسة لم ينجح أحد، وفي العقبة 8 مدارس عاشت نفس المأساة.وربما ما حدث في عام 2014 أكثر قسوة وفداحة فقد كانت المحصلة أن 342 مدرسة لم ينجح بها أحد، مما يؤكد بأنها ليست ظاهرة عارضة وطارئة.
المؤشرات الرقمية تدفعنا لطرح أسئلة ضرورية وملحة للكشف عن أبعاد هذه الظاهرة وأسبابها وتداعياتها، أبرزها كم عدد الطلبة والطالبات الذين لم ينجحوا في هذه المدارس، وكم عدد المعلمين عندهم، وما هي خبراتهم، وأيضاً هل قدم الطلبة امتحاناتهم أم استنكفوا؟!
ومن المهم أن ندرس هذه الظاهرة في بعدها المجتمعي، وأن لا يقتصر الأمر على تقييم الطلبة والمعلمين والبيئة المدرسية على أهمية ذلك، فالأسئلة الإشكالية المطروحة لماذا يحدث هذا الأمر أكثر في المناطق التي توصف بأنها “أقل حظاً”، هل للأمر علاقة بمفهوم العائلة والعشيرة للتعليم وأهميته كقيمة، هل الأمر مرتبط بالفقر والوضع الاقتصادي؟
مراقبون تربويون يرون أن هناك مبالغة في تسليط الضوء على هذه القضية، فهناك مدارس لم ينجح بها أحد ولا يتجاوز عدد الطلبة بها عدد أصابع اليد الواحدة، وهناك مدارس لم يذهب الطلبة أساساً لتقديم الامتحانات واستنكفوا عن تأديتها، وهناك مدارس كانت وما تزال تشكو ضعف الهيئة التدريسية وعدم استقرارها؟في مقال لأمين سر نقابة المعلمين المعلمة هدى العتوم بعد نتائج التوجيهي العام الماضي رفضت توجيه أصابع الاتهام للمعلمين وتحميلهم المسؤولية عن “مدارس لم ينجح بها أحد” مؤكدة أن هذه الكارثة ليست وليدة اللحظة؟
ولم تتوقف عند هذا الحد بل قالت “إن النقابة طالبت وزارة التربية والتعليم أن تقدم للمجتمع دراسة تقييمية لهذه المدارس أو تزويد النقابة بالمعلومات لكي تقوم بدراسة علمية الا أنها لم تستجب لذلك رغم ترحيبها”.
الشيء المؤكد حتى ولو اختلف التقييم أن كل الأطراف مسؤولة عن هذه النتائج، وزارة التربية المطالبة بتقديم تصور لأسباب هذه الظاهرة وتوصيات لتقليصها، والإدارة التعليمية في المنطقة، والمدرسة “مدراء ومعلمين ومعلمات”، والطلبة أنفسهم ولا يعفي أيضاً عائلات الطلبة.
أكثر من وجهة نظر يمكن أن تعرض في أسباب هذه المشكلة، وكلها تحمل وجاهة في الطرح، فهناك من يرى أن كل البيئة التعليمية في هذه المدارس تدفع بهذه النتائج والنهايات، فالطلبة لا يواظبون الحضور للمدارس، والأهل لا يتابعون ولا يعطون لهذه المسألة اهتماماً، والتعليم بحد ذاته لا يشكل جوهراً مهماً في حياة بعض العائلات في هذه المناطق، والطلبة يتسربون للعمل مبكراً وبعض الأسباب تعود للفقر.
وفي اتجاهات أخرى يسلط آخرون الضوء على ضعف الكادر التعليمي، وعدم استقراره، وكثير منهم يعمل على نظام التعليم الإضافي، وبعضهم يعين في بعض المناطق النائية ويبدأ على الفور “بالواسطات” لينتقل الى عمان أو مدن أخرى، إضافة الى أن المدارس تعاني من ضعف الإمكانات.
إذن مشكلة “مدارس لم ينجح بها أحد”، أحد أوجه أزمة التعليم في الأردن، قد تكون صادمة، ولكنها ليست أكثر من صدمتنا بأن آلاف الطلبة يعانون الأمية ولا يعرفون القراءة والكتابة، ولا أكثر خطورة من جيل كبر وشب على التلقين والحفظ وغاب عنه الإبداع وبناء نسق فكري.
نعم نحن في أزمة تعليمية تمتد من رياض الأطفال وتستمر وتتكرس بالجامعات.