علاقات موسمية !!
كانت العلاقات البشرية منذ بواكير التاريخ وستبقى الى نهايته الموضوع الاهم لكل باحث في هذا الميدان لأنها تعكس كل التكوينات النفسية والتعقيدات الاجتماعية، واذا صحّ ان الانسان مدني او اجتماعي بالطبع فذلك لأسباب عديدة في مقدمتها الحاجة الى الآخر، وما كان للقطيع ان يتحول الى استراتيجية دفاعية لولا شعور الفرد بالحاجة الى ذلك، لعجزه بمفرده عن الدفاع عن جنسه. لكن ما اعنيه بالعلاقات الموسمية هو شيء آخر فرضه التطور الاجتماعي والمُقايضة وتبادل المنافع، ففي الظروف الطبيعية قد يتاح للانسان ان يختار علاقاته بمحض ارادته، رغم انه يخضع ايضا في هذه الحالة الى متطلبات منها ما هو مهني او اجتماعي . ولو اخذنا علاقات السجناء مثالا فهي تقدم لنا مادة ثرية للدراسة والاستقراء النفسي، فالسجين لا يختار علاقاته لأنها محددة بطرفين احدهما السجّان ذاته الذي لا مفر من مواجهته يوميا وعلى مدار الساعة، والآخر هو السجين الذي يعيش تحت السّقف ذاته، ولا مفر من التعاطي معه، لهذا يعد السجن الانفرادي عقوبة استثنائية رغم ان هناك من عاشوا هذه التجربة من المثقفين ورأوا غير ذلك، ومنهم الفرنسي ريجيه دوبريه حين كتب عن تجربته الشخصية في زنزانة . في السجن لا يخسر السجين حريّته في التنقل وممارسة طقوس حياته اليومية المألوفة بل يخسر حريته في اختيار الاخرين لهذا فهو مضطر كما يقول دوبريه الى شحذ خياله لخلق واقع بديل، لكن خيال السجناء قد يكون مصدرا للشرور كلّها ولهاجس الانتقام كما في حالة المركيز دوساد الذي يُنسب مصطلح السّادية والتلذذ بتعذيب الاخرين اليه، وقد يكون مصدرا للالهام والحلم بمدينة فاضلة كما حدث مع نلسون مانديلا الذي قضى في زنزانته الفترة ذاتها التي قضاها المركيز دوساد في الزنزانة . حتى العلاقات التي تفرضها فصول الدراسة سواء في المراحل التعليمية المبكرة او الجامعات هي ايضا موسمية، وقد تنتهي فور التخرج وعودة كل طالب الى طبقته والفئة الاجتماعية التي ينتمي اليها، وهذا ما غاب عن الذين فهموا ثورة مايو 1968 في اوروبا والتي تمددت الى العالم كله على انها مستمرة، وفاتهم ان الطلاب الذين يجمعهم سقف واحد سرعان ما تفرقهم الطبقات والمصالح ومنسوب النجاح والفشل لدى كل منهم