لماذا يريدون ثورة مهزومة ونظاما أيضا؟!
من الصعب علينا أن نمرّ بحال مرور الكرام على تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الأخيرة التي أطلقها خلال مؤتمر صحفي مع نظيره النرويجي في واشنطن قبل أيام، وإن بقينا في انتظار مزيد من التوضيحات اللاحقة التي ستؤكد الموقف أو تنفيه، لاسيما أن من الصعب الاعتماد على تصريح واحد في قضية شائكة من نوع الثورة السورية، فضلا عن تأييد كيري نفسه الضمني لدعوات تسليح الثوار القادمة من لندن وباريس.
ما قاله كيري بالنص هو “ما نريده ويريدونه، ويريده العالم بأسره هو وقف العنف، ونريد أن نتمكن من رؤية الأسد والمعارضة جالسين إلى الطاولة لإنشاء حكومة انتقالية بحسب إطار العمل الذي وضع في جنيف (بروتوكول جنيف) الذي يتطلب موافقة متبادلة من كلا الطرفين على تشكيل تلك الحكومة الانتقالية”.
بعد ذلك زاد كيري الأمر توضيحا بقوله “هذا ما ندفع من أجله، وحتى يحصل ذلك، لا بد أن يغير الأسد حساباته، فلا يظن أنه قادر على إطلاق النار إلى ما لا نهاية، ولا بد أيضا من معارضة سورية متعاونة تأتي إلى الطاولة، ونحن نعمل من أجل ذلك وسنستمر في ذلك”.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل يشير ذلك إلى تغير في الموقف الأمريكي الذي كان يصر سابقا على رحيل الأسد عن السلطة من أجل تسوية سياسية، في حين كانت روسيا ترى غير ذلك، وتصر على مسار سياسي يتم من خلال التفاوض مع الرئيس، أي حكومة في ظل بقائه؟!
إذا صحّ أن كلام كيري الجديد سيكون عنوان التحرك الأمريكي فيما يتصل بالملف السوري خلال المرحلة المقبلة، فنحن من دون شك أمام تحول بالغ الأهمية سيلقي بظلاله على المسألة برمتها، من دون أن يكون بوسعنا القول إن ذلك سيعني أن واشنطن ستنجح في فرض ما تريد على المعارضة والثورة في سوريا، وأن تنجح تبعا لذلك في إخراج حكومة انتقالية في ظل بقاء الأسد، بصرف النظر عن صلاحياتها.
ما ينبغي أن نتذكره في هذا السياق هو أن السياسة الأمريكية فيما يتصل بالملف السوري، وعموم الملف الشرق أوسطي لا تتحرك البتة من دون إذن، وأقله تشاور مع الحكومة الإسرائيلية، وهنا يمكن القول إن حلا كالذي يقترحه كيري سيكون هو الأفضل من دون شك للكيان الصهيوني، هو الذي سيعني بكل بساطة هزيمة للثورة والنظام في آن معا، إذ ستبقى المؤسسة الأمنية والعسكرية التي يطمئن إليها الإسرائيليون، فيما سيكون الرئيس ضعيفا، والبلد مدمرا، ولن يأتي نظام جديد يصعب الجزم بهويته، ولا يتم التورط مع جماعات تصعب السيطرة عليها، ولا حاجة تبعا لذلك إلى الخوف؛ لا من الأسلحة الكيماوية، ولا من الصورايخ بعيدة المدى ومنصاتها، ولا من الصواريخ المضادة للطائرات.
ثمة جانب مهم في حل كهذا بالنسبة للأمريكان والكيان الصهيوني، إذا بالإمكان جعله جزءا من صفقة مع إيران تضمن تخليها عن المشروع النووي مقابل رفع العقوبات والإبقاء على نظام الأسد، ولو في وضع ضعيف بعض الشيء، لأن الخيار الآخر (خيار سقوطه) سيفضي إلى التأثير على المكتسبات الإيرانية في العراق ولبنان، ولذلك سيكون ثمن التخلي عن المشروع النووي مناسبا، لاسيما أنه يسهم أيضا في إبعاد شبح الثورة الشعبية الذي يطارد المحافظين منذ شهور، بخاصة قبل انتخابات الرئاسة في حزيران.
على أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو هل سيقبل الثوار بذلك، وهل ستقبل به القوى الداعمة للثورة أيضا ؟ لا إجابة مؤكدة، لاسيما أن استجابة هذه الدول للضغوط تبقى واردة، وهي يمكنها في حال قررت خنق الثورة أن توقفها، مع بقاء شكل من أشكال العمليات على غرار ما يجري في العراق بين حين وآخر، والأمل أن تتمرد على التوجه الأمريكي، لاسيما أن أمريكا لم تعد تلك القوة التي تأمر فتطاع.
لذلك كله يبدو الأمر في غاية الخطورة، والأمل أن يجري تسريع العمل العسكري على الأرض من أجل إسقاط النظام بأسرع ما يكون قبل أن يُفرض شيء كهذا، ويبدو أن الدولة العبرية باتت تستشعر مخاطر السقوط القريب، فهذا أهم خبير في الشأن السوري في الدولة العبرية (البروفيسور إيال زيسر) يقول للمرة الأولى في مؤتمر (هرتسيليا) إنه لم يتبق سوى أشهر معدودة على سقوط بشار أو رحيله.
في ضوء ذلك ينبغي صبُّ الجهد؛ كل الجهد في معركة دمشق، ونقل الكثير من الثوار من الأرياف الهادئة إليها، وصولا إلى حسمها قبل أن يؤتي التآمر على الثورة أكله، مع ضرورة التنسيق في ذلك مع القوى الداعمة للثورة.
يبقى اننا نجد من واجبنا ازدراء ذلك الاحتفاء بتصريحات كيري من لدن شبيحة النظام، وحلفاء إيران وأتباعها، متسائلين أين هي المؤامرة التي شبعوا لطما في سياق التأكيد على وجودها؟!