الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية: تغيرات بارزة
استطاعت الآلة الحربية الإسرائيلية هزيمة الدول العربية وفق استراتيجيات أدت إلى إخراج دول من الصراع العربي – الإسرائيلي عبر «معاهدات سلام». ورغم أن قادة الدولة الصهيونية، منذ تأسيس «دولة إسرائيل»، يؤمنون وما زالوا بالقوة العسكرية الإسرائيلية كعنصر أساسي في المحافظة على بقاء الدولة عبر توجيه الضربات الاستباقية الخاطفة ونقل المعركة إلى أرض «العدو»، إلا أن الأحداث الدموية المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط، تجبر إسرائيل على التفكير باستراتيجية جديدة. فالضربات الاستباقية ونقل المعركة إلى أرض «العدو» أسقطتهما الصواريخ الفلسطينية والعربية ولم يعد هذان العنصران قادرين على الحسم، وبالذات في الوقت الذي تستغل فيه إيران هذا الوضع لتوسيع نفوذها قرب «حدود» إسرائيل، في ظل تنظيمات دينية راديكالية، جاهزة لملء الفراغ. لذلك، طالب عديد السياسيين والمحللين الإسرائيليين بالبحث عن استراتيجية جديدة، بعد أن أسقطت الاستراتيجية القديمة السابقة «تنظيمات» وليس دول، وبعد أن تبين لهم عظم مخاطر تأثيرات المحيط العربي على «الداخل الإسرائيلي».
وقد ركز مؤتمر «الأمن القومي الإسرائيلي» الخامس عشر الذي نظمه مركز هرتسيليا مؤخرا على البحث عن وسائل تحسين قدرة إسرائيل لمواجهة المخاطر الناجمة عن التحولات التي طرأت على بيئتها الإقليمية، واستغلال فرص مستجدة.
المقدم (رون تيرا) وفي بحث جديد معد خصيصا لمعهد دراسات الأمن القومي (INSS) يحذر إسرائيل من التورط في مغامرات مكلفة تستهدف محاولة القيام بـ «هندسة سياسية» لمناطق عربية. ويقول (تيرا): «إن أفضل طريقة لإسرائيل للنجاة من العاصفة الإقليمية تكمن في اعتماد استراتيجيا «سور» دفاعية، مدعومة بقدرة معزّزة على تسديد ضربات بعيدة المدى، والتعاون مع القوى والدول العربية التي تنجح في البقاء».
ويضيف: «إن البيئة المحيطة بنا آخذة بالتبدل بشكل أساسي. هناك فراغ يتكوّن من حولنا فلقد دخل لاعبون جدد إلى هذا الفراغ أقوى بكثير من اللاعبين القدامى؛ فإيران أقوى بكثير من سورية».
ويختم (تيرا) بالقول: «التعاون الإقليمي مع أكبر عدد ممكن من اللاعبين هو مفتاح هذه الاستراتيجيا حتى لو تبين أن الكثير من هذه العلاقات مؤقتة، وهشة، وسرية. وينبغي على إسرائيل أن تسلّح وتشارك في تمويل مجموعات إثنية مثل: الأكراد، الدروز وغيرهم. علاوة على ذلك، هناك إمكانية لتحقيق توازن مع جماعات محلية مثل «جبهة النصرة» في جنوب مرتفعات الجولان السورية».
وفيما يخص المسألة الأخيرة، يقول المحلل السياسي الإسرائيلي (يعقوب لابين): «بالنسبة لكل من إسرائيل والنصرة، يبدو أن الأهم هو منع إيران وحزب الله من إقامة موطئ قدم لهما في هذه المنطقة؛ وبالتالي من الممكن التوصل إلى حالة من التجاهل المتبادل مع النصرة».
وفي سياق تبرير ما سبق، يأتي طرح وزير «الدفاع» الإسرائيلي (موشيه يعلون): «إن إسرائيل تتعامل مع الأوضاع الحساسة في منطقة حدودها الشمالية بصورة غاية في الدقة مثل مبضع الجرَّاح كي تتجنّب انقضاض كل القوى النشيطة في تلك المنطقة عليها إذا ما أخطأت في حساباتها».
وفي مقال لافت، كتب (إفرايم هليفي) الرئيس السابق لجهاز الموساد ولمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، يقول: «في السنوات الأخيرة، أولى قادة الدولة وزناً متزايداً لمفهوم استراتيجي ثالث هو ردع العدو. وبناء على ذلك، وفي حالات كثيرة، تحدّدت غايات هذه الحملة العسكرية أو تلك بهدف «إعادة الردع». الحكومة الجديدة مطالبة بأن لا تستمع إلى استعراض حول قدرات العدو وقدرات إسرائيل فيما يتعلق بالتصدي للأعداء فقط، بل أيضاً القيام بمراجعة جذرية لكل المفاهيم التي عملت إسرائيل بموجبها في العقود الأخيرة ومراجعة الأهداف التي وضعتها لنفسها». ويختم (هليفي) قائلا: «ثمة ضلع حيوي آخر للنهج الأمني هو الجانب السياسي.
فإسرائيل التي تحرص، منذ سنوات عديدة، على تحقيق ردع متبادل مع كيانات (غير دولتية) ليست مسألة فلسفية فقط، فالحكومة مطالبة بأن تحدّد لنفسها بوضوح ما هو موقف إسرائيل من عدويها حزب الله وحماس وكذلك من السلطة الفلسطينية، إذ ليس لدى إسرائيل قول صريح بشأن هذه المسألة.
ولا يجوز أن ننسى قاعدة أخرى هي في صلب سلوكنا: المبادرة والسعي إلى الاشتباك العسكري والسياسي مع الخصم، فالذي لا يبادر يترك الملعب للخصوم». وعن هذه النقطة الأخيرة يؤكد (عاموس يادلين) الجنرال احتياط ومدير معهد دراسات الأمن القومي، على ضرورة عودة إسرائيل إلى المبدأ الذي وُضع في خمسينيات القرن الماضي وستينياته: «إلقاء المسؤولية على الدولة التي يستخدم العدو أراضيها لشن هجمات ضد إسرائيل»!