«طلبنة» «داعش»
الفشل المرة بعد الأخرى يخيم على خطوط التماس بين الأقاليم الشيعية والسنية في العراق، لنعترف بأن الجيش العراقي والحشد الشعبي غير مهتمين بحرب داعش، وأن المنطقة الممتدة اليوم بين الرمادي وتدمر هي التعبير الشكلي عن جوهر سيطرة داعش على محور الرقة – الموصل.
ربما تنجح العملية الارتدادية التي يقوم بها الجيش العراقي لتحرير الأنبار، ولكن لن يؤثر بشيء على حقيقة تماسك داعش وقدرتها على المبادرة من جديد، فالمطلوب عمليا لا يقتصر على ضرب داعش، ولكن يعتمد على قدرة الدخول أرضا لتعويض الفراغ الذي سيخلفه أي تراجع لداعش.
الأكراد حملوا طموحا لتحقيق ذلك ولكنهم اكتشفوا أن إمكانياتهم تقتصر على الدخول في جولات سريعة من الاقتتال الأهلي أو خوض تنويعات على حرب العصابات، ويبدو أن الصورة الذهنية لمقاتلي البشمركة كانت تسوق أساسا للحصول على مزايا اضافية للكيان الكردي في عمليات التزاحم على الثروات مع الدولة المركزية، أو ما تبقى منها، في العراق.
العشائر السنية اليوم تحاول أن تتماسك ففي النهاية هي اليد التي تصطلي النار بينما أطراف كثيرة من التي تسرف في التنظير والتخطيط والتفكيك والتركيب تبقى بعيدة عن دفع الثمن المباشر وفي بنده الباهظ الثمن، وهو العامل البشري، ولكن يبدو أن الخسائر البشرية لم تعد تثير أي رعب أو خوف من قبل الأطراف الفاعلة.
هل يدفع المشهد القائم إلى تعزيز موقف من يرون أنه يمكن إعادة إنتاج داعش لتصبح أداة سياسية يمكن أن تدخل كطرف في معادلة المنطقة بوصفها أمرا واقعا، وهل يمكن تجاهل حقيقة ما يجري على الأرض من عداء واضح لكل معنى حضاري وإنساني.
يبدو أن البعض اليوم، وربما من ضمنهم ايران التي تعيد تشكيل مواقفها من داعش، يرون أنه يمكن التعامل مع داعش على طريقة طالبان، وأن داعش نفسها يمكن أن تخضع لنموذج طالبان، ولكن هل يمكن أصلا الحديث عن تشابه بين الحالتين؟
طالبان خرجت من اللعبة بعد الغزو الأميركي ولجأت إلى الأطراف، وأعادت ترتيب أوراقها بناء على رؤية واقعية لا تخلو من الانتهازية خاصة بعد تخلصها من التحالف الوثيق مع القاعدة، وفي المقابل، فإن داعش ما زالت الطرف الذي يحكم على الأرض، ويملي جميع الشروط، والجميع اليوم يرى أن قصارى طموحه أن يوقف تمدد داعش لمجاله الحيوي ومناطق سيادته ونفوذه، وتتراجع بوضوح المشاريع العملية للقضاء على التنظيم.
ترك الحشد الشعبي في مواجهة داعش، وموقع المتفرج الذي تسابقت عليه الدول المعنية بالصراع في المنطقة، سيؤدي في النهاية لشرعنة جميع قوى التطرف بين الشيعة والسنة على السواء، فتطور الصراع على هذه الشاكلة، ودون تدخل حازم وسريع، سيؤدي في النهاية إلى محاولات فض الاشتباك التي تستلزم أصلا حدا أدنى من الاعتراف بطرفي الصراع بوصفهم قوى شرعية أفرزتها حالة المنطقة.
هل يمكن أن يحضر ممثلون عن داعش في مؤتمرات قادمة؟ هل سيجلسون على طاولات المفاوضات؟ هل سينتظر العالم ليرى هذه اللحظة؟ وأين يمكن بعد ذلك الحديث عن مستقبل للمنطقة، وهل كانت أصلا كل مقدمات الربيع العربي من أجل الوصول إلى هذه اللحظة؟
أي رعب قادم يمكن أن تحمله حروب دينية متطرفة؟ وأي تسويات مذلة يمكن أن تنتج عنها؟