0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

ومضى ناصرالدين الأسد الفارس الشاعر

ايها الجار الجميل العزيز الذي حفر في القلوب حبه وعلمه وكرمه واخلاقه، كم يعزّ على المرء ان يفارق جاره واستاذه وقدوته، كم كنت ياابا بشر الجليل في وقارك، الانسان في عطائك، العالم في محرابك، الرجل في مواقفك، الطيب في رقتك، البصير في نظرتك، كم وكم وكم… لن أنساك وانت تطل عليّ كلما جئت مكتبك بهيبتك الباذخة مسلما بحنو الاب ولن أنساك وانت توزع رقاع الدعوة على اساتذة القسم تدعوهم للغداء في مطاعم الجامعة الاردنية بمناسبة ترقيتي إلى الاستاذية، ولن أنسى ما حييت يوم كرمتك جامعة الاميرة سميه للتكنولوجيا اعترافا منها ان الوفاء للعلماء والأصفياء في زمن عزّ فيه الوفاء أمر يجب ألا يغيب عن مؤسساتنا وجامعاتنا؛ خاصة إذا كان مع عالم جليل تتجسد فيه كل المعاني الراقية بنظراته البعيدة ووجهه البهي الجميل ولسانه العذب، اعترافاً منها بإسهاماته الجليلة في بناء صروح العلم والعلماء، وما هذا التكريم إلا صورة صادقة لهذه النفس الشامخة في آمالها وطموحاتها بكل ما تتصف به من صدق وشفافية ووفاء لأصفياء الروح مهما تباعدت المسافات وتقادمت الأزمان. ولن أنسى لحظة قدمته بقولي « ولما كانَ هذا المقامُ مقاماً علمياً ومجلساً تحفُّهُ الملائكةُ، فإنه لا بد أن يكونَ للعِلْمِ فيه نصيبُ الأسدِ، وخيرُ من يدلي بدلوهِ في هذا البابِ أسدُ هذا الحفلِ، ناصرُ الدين الأسدِ، الذي إنْ كان مُكَرَّماً في جانبٍ، فسيكون في الدقائقِ اللاحقةِ مُكَرِّماً لنا جميعاً في جوانبَ عدّةٍ؛ علميّةٍ وأدبيةٍ وفكريةٍ وثقافيةٍ ، تجري على لسانهِ جَرْيَ الماءِ العذبِ الزُّلالِ في القناةِ. « ردة فعله وكلامه العذب الذي يعيد للحياة بهجتها وللانسان هيبته…. ومثلك يا ابا بشر يعمّر في القلب ومثلك ينور دروب المعرفة على نحو موسوعي على طريقة أسلافنا من العلماء الكبار الذين عرفهم تاريخنا في ازهى عصوره، ومثلك لا تنسى عصارة قلبه وسلاف روحه، في « همسه وبوحه» وإشراق نفسه السامية التي ما ارتضت الا الذرى موطناً والريادة في كل شأن من شؤون حياتها مسلكاً، وكان ديوانه « همس وبوح» صورة صادقة لهذه النفس الشامخة في آمالها وطموحاتها بكل ما تتصف به من صدق وشفافية ووفاء لأصفياء الروح مهما تباعدت المسافات وتقادم الزمن.
إن الوفاء ديدن الأصفياء والانقياء والأصدقاء في زمن عز فيه الصديق ولا يقال فيه الا كما قال ابو الطيب المتنبي:
غاض الوفاء فما تلقاه في عدةٍ
    واعوز الصدق في الإخبار والقسم
وكما قال الطغرائي في لامية العجم:
غاض الوفاء وفاض الغدر واتسعت            مسافة الخلف بين القول والعمل
وللمكان الذي احتضن عالم الذكريات والأحلام والآمال، وللكلمة الصادقة المعبرة حين تخرج من القلب فلا تستقر الا في القلب- لهو عماد هذا الشيخ الفارس الذي ترجّل وسمعت الدنيا صليل سيوفه وصهيل حروفه في مواقف الرجولة والشرف والعلم والمعرفة والجدل والحوار، فأشارت اليه بأصابعها كلها فكان عليه رحمة الله شيخ العربية في هذا الزمن بلا منازع وغير مدافع، وهو العالم والأديب والخطيب الأردني الذي عرفته اقطارنا العربية والإسلامية فكان مفخرة الأردن في عمق فكره وسداد رأيه وفصاحة لسانه وصحة منهجه اذا كتب، وعذوبة منطقه إذا خطب، فلله درك يأ أبا بشر إنساناً وفياً وصديقاً صدوقاً وباحثاً متميزاً وخطيباً مصقعاً وعالماً مترفعاً عن الأحقاد والدنايا.
إن هذه المعاني كنت أحسها حين أفتح باب مكتبي لأرى شيخي وأستاذي الدكتور ناصر الدين الأسد في مكتبه قبالة مكتبي وقد تجسدت فيه كل هذه المعاني الراقية بنظراته البعيدة ووجه البهي الجميل ولسانه العذب وهيبته الباذخة، وكان ما أجمله من صباح حين يستهل برؤية هذا العالم الجليل والإنسان النبيل. 2لن أنسى يا ابا البشر وانا أطالع ديوانك» همس وبوح» مجموعة القصائد التي تكشف عن أسرار قلبك وآفاق نبلك وذكرياتك ورومنسيتك المشعة ومداعباتك لأصدقائك وأوفيائك، كتبت ما اعتصر قلبك من مشاهد الحياة والهوى والأحلام اللذيذة وهتاف الشباب، فمسكت شغاف القلب بقوافيك وهمسك وبوحك ونفسك التواقة الى الفرح الجميل ، وان انسى لا انسى حبه وعشقه لجامعته الأردنية وهو يردد:
قسمتك في مهجتي قسمـــة
        فأنت أنا، ما لنـــا فاصل
عشقتك مذ أنت غيب خفــي
        وفي خاطري حلـــم خائل
سهرت الليالي أناجي الدجى
        وليس سواك هوى شاغل
وهبتك أغلى سني الهـــوى
        وما لا يجود بـه بــــــاذل
وسيقى ناصرُ الدينِ الأسد، شيخُنا الذي سنظلُ نقتاتُ على فُتاتِ علمهِ ما حيينا، وسيبقى أثرُ علمهِ الثَّرِّ وخُلُقِهِ الطيّبِ فينا بقاءَ الرّوحِ في الجسدِ. فلكَ منا شيخَنا وأستاذَنا وقدوتَنا ومعلّمنَا وانت ترحل عنا كلَّ الحبِ والاعترافَ والاقرارِ بحقِّكَ في أن تُبَرَّ. وإلى جنات الخلد، وانا لله وانا له لراجعون.