0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

العذر.. يا معلمنا الكبير !

 لو بقينا نكتب عن معلم الأجيال الأردنية أستاذنا كلنا ناصر الدين الأسد لألف عامٍ فلما قمنا بواجبه علينا وعلى الأجيال المقبلة ولما أوفيناه حقه فأنا عرفته في منتصف ستينات القرن الماضي عندما كان رئيساً للجامعة الأردنية وعندما كان سمير الرفاعي «الجد» رئيساً لمجلس أمنائها رحم الله الاثنين وأمطرهما بشآبيب رحمته ولعل الذين عاصروا تلك المرحلة المبكرة من الذين اشتعلت رؤوسهم بالشيب مثلي لا زالوا يذكرون كم أن هذا الرجل كان عملاقاً في معرفته وكفاءته وكم أنه كان أنيقاً في مخبره ومظهره وكم أنه عندما كان يتحدث كان يفرض الصمت على من يخاطبهم.. لا أعتقد أن غيره في عصرنا هذا كان يحول لغة الضاد إلى ريشة جميلة يرسم بها أجمل اللوحات البديعة ويخلب بسحرها ألباب المستمعين . 
لا زلت بعد كل هذه الأعوام المرهقة أحتفظ بذكريات وإن هي أصبحت كبقايا الوشم في ظاهر اليد عن هذا «المعلم» العملاق فقد كان بالنسبة لنا رمزاً وأستاذاً ومعلماً ومثلاً يحتذى ولقد كان وبقي حتى آخر أيام عمره المديد, الذي كنت أتمنى لو أنه تضاعف لعشرات المرات, أنيقاً في لباسه وأنيقاً في مشيته وأنيقاً في كلامه وأنيقاً في ابتسامته وأنيقاً في أخلاقه.. عندما كان يسير رحمه الله في ممرات الجامعة الأردنية المطرزة حوافها بالأشجار الباسقة الجميلة كنا نصطف وكأننا في طابور صباحي في إحدى المدارس العسكرية لنراقبه بإعجاب الطلبة المجتهدين بـ «معلمهم» العظيم الذي لا يقتصر تعليمه لهم على قاعات المحاضرات وإنما على كل شيء وكل حركة من حركاته.
ناصر الدين الأسد ظاهرة لن تتكرر إطلاقاً ولعل ما جعلني أشعر بالحزن الذي بقي يرافقني في رحلة المنافي الطويلة أن تتلمذي عليه وفي كل شيء, في السلوك والأخلاق والهندام الجميل والكلام العذب وفي فنون القوافي وأحسنها, أنَّ استمراري في هذا الصرح المرتفع الذي أعطى الأردن أفضل الكفاءات قد أقتصر على شهور معدودات لكن هذه الشهور, وأقسم بالله العظيم على صدق ما أقول, قد رسخت في وجداني إعجابي بهذا «المعلم» الكبير الذي اعتقد أن كثيرين مثلي سيبقون يحتفظون بطلته البهية الجميلة حاضرة في مخيلاتهم ما داموا في هذه الحياة الدنيا الزائلة بالتأكيد لا محالة.
في تلك الشهور القليلة التي أمضيتها في هذا الصرح الكبير تعرفت عن قرب على الأستاذ الكبير من أرض الكنانة شوْقي ضيف وعلى هاشم ياغي وعبد الرحمن ياغي ومحمود السمرة.. وتعرفت على رفيق المسيرة السياسية عبد الله عقروق الذي أسس للجامعة الأردنية واحدة من أهم خزائن الكتب والوثائق في الشرق الأوسط كله.. في تلك الشهور القليلة شهدت ساحات «جامعتنا» العظيمة صراعات كثيرة لكنها ليست كصراعات هذه الأيام.. كانت صراعات سياسية وحزبية رصاصها الكلام وقذائفها الحجج المنطقية.. كان «معلمنا» الذي غادرنا قبل يومين يتابع كل هذا وكان يعالجه برحابة صدره وبنبل أخلاقه وبحرصه على أن المطلوب هو تقديم كفاءات لهذا الوطن وليس مجرد «ببغوات» تحفظ عن ظهر قلب ما تقرأ دون أن تغوص في أعماق ذلك الذي تقرأه لتكون هناك أمانة يتم نقلها إلى الأجيال المقبلة.
بعد عودتي.. معززاً مكرماً وكعادة هذا الوطن مع أبنائه الذين يشبون على الطوق حرصت على أن التقي «معلمنا» الكبير وأن أسمع منه ولعل أجمل ما سمعته منه, مع أنه أبداً لا يقول إلَّا جميلاً, ما قاله في محاضرة في نادي الحسين بدعوة من أستاذنا ومعلمنا أيضاً دولة أبو سمير زيد الرفاعي عن عمان عندما كانت لا تزال تشبه زهرة برية في مقتبل شبابها وعندما لم «تهجم» عليها بعد هذه الكثبان الحلوة و هذه السهول الجميلة.. عندما كان كل أهلها يعرفون بعضهم بعضاً وكانت محالها التجارية تتراصف متلاصقة على ضفاف نبع الحوريات تراقبها من الجهة الشمالية أبراج «القلعة» التي بدأت مع بداية العمونيين وقبل ذلك.
آه.. وألف آه لقد كان أكبر مشروع فكرت به عندما تسلمت مسؤولية هيئة الإذاعة والتلفزيون رئيس مجلس إدارة ومديراً عاماً هو النبش في ذاكرة «معلمنا» العظيم لإطلاع الأجيال التي اختطفتها «الالكترونيات» من الثقافة الإنسانية الصحيحة… لقد عرضت عليه هذه الفكرة رحمه الله وكانت استجابته فورية وكان حماسه منقطع النظير.. لقد بدأنا الاستعدادات بمساعدة أحد تلامذته المخلصين الذي تخرج على يديه وأصبح من أهم الأساتذة الجامعيين.. لكن الوقت وللأسف قد مضى بسرعة.. وكان هناك توقف من قبله لأوضاع صحية عارضة.. وكان هناك «تردد» غير مبرر من قبلي نظراً لتركي موقعي بسرعة البرق وكما هي العادة في بلدنا.. حيث تغتال الأمزجة المتقلبة الطموحات والتطلعات.. وهكذا فإنني أشعر الآن بالخجل منك يا «معلمي» الكبير يا «معلم» الأجيال.. إنني أشعر أنني تأخرت في تجسيد هذه الفكرة الجميلة وإنني بالتالي قد أضعت فرصة نَقْلَ بعض مما في ذاكرة وفي صدر هذا الراحل الكبير لمحبيه ولأجيالنا المتلاحقة.. عذراً يا «معلمي»!!

ارتفعت صادرات الفواكه والخضار في الأردن 12٪ في العام 2014،  إذ تم تصدير نحو 888 ألف طن  من المنتجات الزراعية مقارنة مع 790 ألف  طن في عام 2013.