توصيات شعبوية لـ”مالية” النواب
سلامة الدرعاوي
مؤسف أن يبقى شكل الرقابة الاقتصاديّة والماليّة على الحكومة بذات الشكل التقليدي المتبع منذ عقود رغم جسامة التحديات وخطورة المشهد بشكل العام.
فلا يعقل أن تبقى توصيات اللجنة الماليّة في مجلس النوّاب محصورة باتجاهها الشعبويّ دون إدراك حقيقي لأثر ذلك في الاقتصاد الوطنيّ، وتحديدا على موازنة الدولة التي بقيت الحكومة اللاعب الوحيد في تحديد اتجاهاتها والسير بتنفيذها بعيدا عن الرقابة النيابيّة الفعلية عليها.
توصيات ماليّة النوّاب بزيادة الرواتب للعاملين في القطاع العام في ظل وجود عجز مالي مزمن يناهز الـ 2.356 مليار دينار هو أمر شعبوي بحت، مع علم النوّاب أنفسهم وتأكدهم أن توصياتهم لن تخرج من أدراج مكاتب المجلس بعد تلاوتها، فهي غير قابلة للتطبيق فعليا أو عمليا وحتى دستوريا، فلا يحق لمجلس النوّاب زيادة أي إنفاق أثناء نقاشه مشروع قانون الموازنة، وهم يعلمون ذلك جيدا، لكن خطابهم ليس للحكومة أو للمجلس، إنّما هو موجّه نحو الشّارع والإعلان لا أكثر.
اللجنة الماليّة في مجلس النوّاب بهذه التوصيات تكون أضاعت على نفسها فرصة تاريخية لتعزيز مفهوم الرقابة الماليّة على الحكومة من خلال التعمق الاقتصاديّ في حيثيات مشروع قانون الموازنة العامة الذي يتضمن اتجاهات ومحددات لا بد من التطرق إليها حتى تدعم أولية الاستقرار الماليّ للخزينة.
السادة النوّاب ليست وظيفتهم التطرق إلى أي مخصصات لزيادتها، حتى توصياتهم العامة بتقليل الإنفاق هو أمر تقليدي بعيد كل البعد عن معايير الجدوى والأمر المالي على الخزينة، فتخفيض 100 مليون دينار من النفقات التشغيليّة، لن يساهم بأي أثر في رفع معدّلات النموّ، ولا تخفيض معدّلات البطالة، وهو شكل من الاعوجاج في النقاش المالي غير المنضبط، فالأساس أن تتأكد اللجنة الماليّة في نقاشاتها حول مشروع قانون الموازنة بأن فرضياتها في البداية سليمة وتتناسب مع الواقع والتحديات التي تحيط في الاقتصاد الوطنيّ.
بعدها ينتقل النوّاب في مخصصات النفقات الرأسمالية في الموازنة، وهنا يكمن التحدي الأبرز في دراسة طبيعة المشاريع المدرجة تحت هذا البند والذي تفوق قيمته الـ1.5 مليار دينار، لأن وجود مثل هذا الرقم يعطي دلالة اقتصاديّة من الناحية النظرية بأن معدّلات النموّ ستكون أكبر بكثير مما قدر في الموازنة، وإلا فإن هناك مشكلة داخليّة في تلك المشاريع التي لا تحدث النموّ المطلوب، وهذا يقع على عاتق النوّاب من خلال لجنته الماليّة في تمحيص تلك المشاريع وإعادة تبويبها بالشكل الاقتصاديّ السليم الذي يعتمد على معايير القيمة المضافة لتلك المشاريع على الاقتصاد الوطنيّ.
حتى توصية ماليّة النوّاب بزيادة مشاريع الشراكة في الموازنة، مسألة مبهمة، فإذا كان لديهم اعتراض على المشاريع المدرجة تحت هذا البند في الموازنة فواجبهم إعادة النظر فيها واستبدالها بمشاريع أخرى، ليس التوصية بزيادتها بشكل عام، فالأساس هو التأكد من أي مشروع ينفذ في هذا الإطار له القدرة على خلق فرص عمل جديدة للأردنيين، مما يساهم في تقليل معدّلات البطالة التي باتت كابوسا رئيسا لها، فالأصح هو أن يجعل النوّاب من مشروع قانون موازنة 2022 خطة ماليّة لدعم التشغيل ومواجهة تحديات البطالة.
والتضارب في بعض توصيات ماليّة النوّاب كان واضحا حين دعت إلى زيادة التعيينات في وزارة التربية مع التخلص من البيروقراطية لتحفيز الاستثمار، علما أن القطاع العام غير قادر على استيعاب أي موظفين جدد ولا يملك القدرة أصلا على مواصلة التوظيف، رغم أنه مشبع بأكثر من ضعف احتياجاته الوظيفية الفعلية، وزيادة التعيينات لا يمكن وصفها إلا من زاوية “دغدغة” عواطف الشّارع في واحدة من أهم قضاياه وهي التعيينات.
لا يمكن أن يكون هناك اختراق من السلطة التشريعية تجاه قانون الدولة المالي طالما بقيت الشعبوية تسيطر على أذهان من أسندت إليهم الرقابة الماليّة، فتوصيات مالية النواب بهذا الشكل مادة خصبة لباقي النواب لجعل جلسات نقاشاتهم حول الموازنة موسما للصراخ لا أكثر.
وكالة الناس – الغد