الرداد يكتب: لماذا قرر الإخوان المسلمون تعليق المشاركة في الانتخابات البلدية؟
وكالة الناس ــ في خطوة اشتملت على كثير من التناقضات، وطرحت العديد من التساؤلات حول توقيتها، قرر الإخوان المسلمون في بيان صادر عبر حزب جبهة العمل الإسلامي” تعليق” مشاركتهم في انتخابات البلديات ومجالس اللامركزية المقرر اجراؤها الشهر القادم، وقد ساق البيان جملة من المبررات التي دعت لاتخاذه، جميعها خارجية، تستند لشكوك بجدوى الإصلاح، وتدخلات محتملة في الانتخابات “التي لم تجر بعد”، أي انها لم تأت على ذكر الأسباب الحقيقية للقرار، والمرتبطة بتحولات و خلافات وانشقاقات داخل الحركة الإسلامية وما يجري داخلها، وهو ما يؤكده معنى “التعليق” الذي يحمل في طياته إمكانية الرجوع عنه، اذ لم يستخدم البيان مصطلح” المقاطعة” كما أنه اقتصر على انتخابات البلديات ومجالس اللامركزية فقط، والتي يغلب عليها طابع غير حزبي.
لعل أبرز ما يلفت النظر في القرار أنه يتناقض مع مشاركة الإخوان المسلمين الفاعلة في اللجنة الملكية لتحديث التشريعات والمنظومة السياسية التي أوصت بالتعديلات الدستورية التي عارضها نواب الاخوان في مجلس النواب، فيما لم يتضح موقفهم بعد من توصيات اللجنة الخاصة بقانون الانتخاب لمجلس النواب وقانون الأحزاب السياسية، والمرجح ان يكون موقف الاخوان مختلفا عن موقفهم من الإصلاحات الدستورية، ارتباطا بحسابات الربح والخسارة و المكاسب والمغانم.
من هنا، يرجح ان هناك أسبابا “غير المعلنة” دعت لاتخاذ هذا القرار، من بينها مساومة ” الحكومة” لانتزاع مكاسب جديدة تتجاوز ما حققه الإخوان في لجنة التحديث، باستثمار ما يصفه البيان من شكوك لدى قواعد الحزب والرأي العام بجدية الإصلاح، تلك الشكوك التي أكدتها مشاركة “30%” فقط من الكتلة الناخبة في الانتخابات النيابية عام “2020” بالإضافة لاستطلاعات رأي عام، أكدت النسبة نفسها تجاه لجنة الإصلاح… ومع ذلك شارك الإخوان في الانتخابات وفي لجنة الإصلاح، رغم ان قرار المشاركة بالانتخابات كان قد جاء “وفقا لتسريبات” اخوانية بعد خلافات داخلية وتصويت حول المشاركة او المقاطعة، تقرر بعدها المشاركة وبفارق ضئيل جدا في نتائج التصويت.
مرجعيات قرار الإخوان غير معزولة عن سياقات “داخلية وخارجية”، حيث يرتبط مرحليا باستجابة تيار داخل الجماعة” المساومة والمشاركة” لتقديم أوراق اعتماد قبيل الانتخابات الداخلية للجماعة والتي ستجري قريبا، وباستثمار حالة التشكيك التي تعززت بفعل تصريحات رؤساء حكومات سابقين، تحذر من مخاطر وتحديات المرحلة القادمة، ضمن حسابات تختلف عن حسابات الإخوان.
غير ان الأهم داخليا هو ظهور تيارات شبابية اخوانية تتطلع لإنهاء ثنائية” الاعتدال والتشدد”، مع استمرار جدالات حول مقاربات “الفصل بين الدعوي والسياسي” و “الوطني والإقليمي والدولي” داخل الهيئات القيادية، والتي أسفرت عن انشقاق تيارات، ظهرت بعناوين حزبية إسلامية جديدة، سحبت من رصيد الجماعة وحضورها التاريخي، ولعل أبرز نماذج “الرفض” الشبابي لما يوصف ب” تكلس القيادة” والخروج على قراراتها المشاركة ب “حراكات” جماهيرية في عمان والمحافظات، خلافا لقرارات القيادة التي تحصر النشاط الجماهيري بعناوين مرتبطة بالقضية الفلسطينية” القدس الأقصى وغزة”، كما ان قيادة التيار الاخواني في نقابة المعلمين لحراك النقابة، أظهر عمق الازمة داخل قيادة الجماعة، والتي حاولت اظهار مسافة بينها وبين حراك النقابة.
ومن الواضح ان قرار التعليق جاء بمرجعية حسابات داخلية لدى قيادة الاخوان، وان “اللاحسم” فيه باتجاه “المقاطعة” أثار شكوكا عميقة بأسبابه، وأنه أقرب إلى رسالة مشفرة للحكومة، وربما تراهن قيادة الإخوان على وساطات مع الحكومة، لانتزاع “مغانم”، لكن تلك الرهانات يبدو انها غير مضمونة النتائج، لا سيما وان هناك تيارا في الأوساط الرسمية لديه قناعات بعدم جدية الإخوان في الانخراط بعمليات الإصلاح، لأسباب لا علاقة لها باتجاهات ومضامين الإصلاح في الأردن، بل مرتبطة بسياقات وحسابات خارجية، تتجاوز العلاقة التنظيمية مع قيادة التنظيم الدولي للإخوان، وما تعيشه حاليا من انشقاقات، ومن المؤكد ان قرار الاخوان بتعليق المشاركة بالانتخابات سيقدم دليلا يؤكد قناعات هذا التيار.