«التدويل» أم.. «الفَلَسْطَنَة» والتعريب؟
في قفزة غير محسوبة الى المجهول, واشارة تعبّر عن تقلّص هامش المناورة أو بروز نُذر أزمة داخلية ماثلة, واحتمال الوقوف طويلاً امام حائط مسدود, خرج عضو اللجنة المركزية لحركة فتح نبيل شعث على «الناس» وعبر صحيفة الحياة اللندنية ليُهدِد بخيار «التدويل» للرد على البرنامج الائتلافي لحكومة نتنياهو الرابعة.
ثمة اذاً يأس فلسطيني حد التسليم بالعجز, بأن لا شيء يمكن تَوقُعَه من حكومة اسرائيل التي تحمل الرقم «34» منذ قيام دولة العدو الصهيوني على ارض فلسطين, والتي تستند الى اغلبية صوت واحد فقط, يمكن في حال حدوث أي هزة ولو بسيطة (على مقياس التنافس الحزبي بين معسكري اليمين المتطرّف والاحزاب الحريدية المشاركة في الحكومة), ان تنهار أو يتم تكليف رئيس المُعسكر الصهيوني اسحق هيرتسوغ تشكيل ائتلاف جديد, وربما قيام حكومة وحدة وطنية بين المُعسكرين القومي (نتنياهو) والصهيوني (هيرتسوغ), قبل الوصول الى الخيار الاخير وهو الذهاب الى انتخابات جديدة مبكرة, ربما تنهي حياة نتنياهو السياسية, لكنها في الآن ذاته يمكن ان تأتي بخريطة حزبية مغايرة, بعد أن لم يعد ثمة حزب «كبير» يمكنه قيادة الدولة, بل اكثر ما يستطيع حزب كهذا انجازه, هو الحصول على المرتبة الاولى ولكن بمقاعد «تحوم» حول الثلاثين مقعداً.
ما علينا…
الرئيس الفلسطيني الذي يبدو أنه انتشى (كعادته) باعتراف الفاتيكان بالدولة الفلسطينية (انتبهوا الى أن أي اعتراف بدولة كهذه, ومن قِبَلِ أي دولة, لم يُحدد «حدود» تلك الدولة العتيدة ما يترك الامور فعلاً في يد الاسرائيلي, الذي لا يخرج «المعترفون» عن خطوطه العريضة, ليس فقط بسبب سطوة الاسرائيلي ومن يدعمه في الغرب الامبريالي, وانما ايضاً لأن هؤلاء يقولون على الدوام ان الدولة التي يعترفون بها هي تلك الناتجة عن المفاوضات بين الجانبين فقط).
نقول: الرئيس عباس الذي وصفه بابا الفاتيكان بأنه «ملاك سلام», عاد الى تكرار اسطوانته المعروفة بعد أن كان تخلّى عنها غداة الاعلان عن نتائج الانتخابات الاسرائيلية, وبخاصة قوله انه مستعد للعودة الى المفاوضات دون شروط مسبقة, ثم ها هو وفي مناسبة الاحتفال بالذكرى الـ 67 للنكبة يطرح شروطاً ثلاثة, يعلم في قرارة نفسه, أنها غير مقبولة على المُستعمِرين الاسرائيليين وخصوصاً على الائتلاف الأكثر يمينية والاقل احتراماً في تاريخ اسرائيل.
ناهيك عن كون شروط عباس المرفوضة اسرائيلياً.. هذه, سبق أن تم طرحها في حكومة نتنياهو الثالثة التي هي اقل تطرفاً (مقارنة بالحالية) وتم رفضها, فهل اعادة طرحها مجرد اعلان لتبرِئة النفس أم انعدام الخيارات وسقوط الرهانات وعبثية المفاوضات, في انتظار حدوث مُعجزة في زمن لم يعد للمعجزات دور في صناعة احداثه الغرائبية, بالقدر الذي تسمح به موازين القوى والتوفر على اسباب القوة والعمل الجاد على تحصين الجبهة الداخلية عبر طريق اجباري ومُلزِم, بعيداً عن الحسابات الشخصية وثقافة الثأر وتصفية الحسابات واحتكار القرار والحقيقة, وهو طريق «الوحدة الوطنية» الحقيقية, التي تعترف بحق الاختلاف وحرية الرأي والتعبير, ولكن في إطار عدم الخروج على الجوامع والثوابت الوطنية وفي مقدمتها المشروع الوطني الفلسطيني, الذي قامت على اساسه واستمرت (الى حين) منظمة التحرير الفلسطينية.
شروط عباس التي لن تقبلها اسرائيل, هي وقف النشاطات الاستيطانية واطلاق سراح الاسرى, وخصوصاً الدفعة الرابعة من اسرى ما قبل اوسلو, ومفاوضات لمدة «عام» ينتج عنها تحديد جدول زمني لانهاء الاحتلال, خلال مدة لا تتجاوز نهاية العام 2017.
ثمة تلميح – بل اكثر – الى مشروع القرار الفرنسي الذي كان سيُطرح على مجلس الامن لتبنيه, لولا الضغط الاميركي الذي أجّل موعده وربما احاله الى التجميد, ما يطرح المزيد من الاسئلة حول المغزى الذي ذهب اليه نبيل شعث, عندما لوّح بخيار التدويل, والكل يعلم ان مصطلح التدويل يعني أساساً رمي الكرة في ملعب عواصم القرار الغربي الرئيسية, وهي ثلاث واشنطن ولندن وباريس (دع عنك برلين) وهذه غير معنية الان بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي, بل ان اوباما نفسه حسم أمره وقال: ان العام المقبل (وهو آخر عام له في البيت الابيض) غير مُشجّع لايجاد حل لهذا الصراع.
فهل ثمة رهان بعد على خيار التدويل؟
إن لم يكن مجرد هروب الى الامام, فهو محاولة لعدم فتح الملفات الأهم والأكثر إلحاحاً على جدول الاعمال الفلسطيني, وهو «فلسطنة» الخيار اولاً, عبر استدراك ما بقي من وقت, قبل وصول الامور الى نقطة اللاعودة بين مشروعي فتح وحماس, وقبل بدء العمل على خطة فصل الضفة عن غزة, ودائماً قبل ان يقضي اقتتال المحاور والتحالفات العربية الراهنة على ما تبقى من قضية فلسطين, التي تراجعت على جدول اعمالهم بعد ان تقدمت عليها الصراعات الطائفية وخصوصاً المذهبية, واعادتنا الى أيام داحس والغبراء, فيما يرطنون عن النكبة الفلسطينية وكأنهم يشيرون الى «الاندلس»..
الرهان على خيار الفلسطنة والتعريب (رغم سوء الراهن العربي) أجدى وأنجع من خيار التدويل البائس والفاتر وخصوصاً المتواطئ.