عن المناورات العسكرية الروسية الصينية.. في «المتوسط»!
يكاد العرب وحدهم لا يعلمون ما يجري في منطقتهم، وعلى تخومها، بعد ان تحوّلوا الى رجل القرن الواحد والعشرين «المريض»، وبات الكل ينهش في هذا الجسد الواهن والمتداعي، المرشح لمزيد من التدهور وتوقف الوظائف الاساسية لاعضائه والتحول الى «تركة» للمستعمِرين الجدد على اختلاف جنسياتهم وهوياتهم واديانهم وخصوصاً مصالحهم، التي يبدو انها التقت هنا، في هذه المنطقة الغنية بثرواتها ولكن المُفقّرة شعوبها والمُنتهكة حقوقها الأساسية والمسلوبة حرياتها، ودائماً المنكوبة بأنظمتها التي تواصل الكذب والنفاق والقمع..
مناسبة هذا الحديث، ليس فقط ما يحدث على ارض العرب من حروب وسفك دماء وقطع رؤوس وجزّ اعناق وهتك أعراض وولوغ في الدماء وارتفاع في منسوب الوحشية والغلّو وتدخلات خارجية فظة، ولكن بطلب من الانظمة التي استمرأت الاستعانة بالاجنبي، وفضلّته على اي رابط قومي او جغرافي او اخلاقي، اللهم الا اذا اعتبرنا ان فاقد الشيء لا يعطيه وبالتالي لا همّ لها سوى المحافظة على أنظمتها الحاكمة اياً كان الحامي، واياً كان الحاضن واياً كان الثمن وكيفما ارتفعت الكلفة.
بل ثمة تطور جديد ولافت، يمكن القول انه غير مسبوق في حدوثه وخصوصاً في معانيه ودلالاته والرسائل التي يستبطنها، اقلها في التأشير على طبيعة النظام الدولي الجديد الآخذ في التشكل والبروز، بعد ان انهار – او في طريقه – النظام الاحادي الذي فشلت الولايات المتحدة الاميركية في تكريسه بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفياتي ودخول روسيا (يلتسين) في دائرة الفوضى والفلتان الامني وسيادة «سلطة» المافيات وانهيار المؤسسات وبيع القطاع العام لحفنة مجرمة من السماسرة ومنظمات العالم السفلي المرتبطة بالدوائر السياسية والاستخبارية الغربية وعلى رأسها اميركا.
ما علينا..
منذ ستة ايام تجري في مياه البحر الابيض المتوسط «الدولية» مناورات بحرية (غير مسبوقة بمعنى انها تحدث لأول مرة) تُشارك فيها تسع سفن حربية روسية وصينية تستمر احد عشر يوما، ولأن عرب اليوم غير معنيين بما يجري حولهم، اللهم الا كل ما يتصل باذكاء روح الفُرْقَة وتسعير الصراع السُنّي الشيعي المفتعل والمُغرِض والمُصنّع في الغرف الاستخبارية السوداء، فان قدوم الصين (التي قيل لنا ذات يوم انها تقع في آخر الدنيا وان رسولنا الكريم في معرض حَضِه على التزود بالعلم والاستزادة منه وطلبه حتى لو كان في الصين)، فان قدوم الاساطيل الصينية الى البحر المتوسط اي الى مركز العالم او نصفه الجغرافي ولكن الاستراتيجي والحاسم في تحديد النفوذ ومعادلات القوة ولعبة الاوزان والاحجام، يعني اننا امام عالم جديد ومختلف تقول عنه بيجين بأنه «يُثْبِت بوضوح، ان البلدين سيتعاونان للحفاظ على السلام والنظام الدولي ما بعد الحرب» بل وتذهب مباشرة للقول: ان ذلك يُشكّل ضمانة للمساهمة في عالم أفضل».
تطور جديد وخطوة تستدعي من اطراف عديدة إعادة النظر في كثير من نظرياتها واستراتيجياتها وخصوصاً تلك المتكلسة والمُحنطة التي اتكأت عليها معظم-ان لم نقل كل-الانظمة العربية، بدليل وضعها كل «بيضها» في السلّة الاميركية، مطمئنة عن سذاجة وقِصَرِ نظر وافلاس حقيقي، ان «الأم الحنون» واشنطن لن تتخلى عنها، بما هي القوة العظمى الوحيدة في العالم ظانّة ان لا دلائل او مؤشرات تشي بأن مكانتها المُهيمِنة على القرار الدولي مرشحة للتغير او التعرض لاهتزازات او مشاكل أقلها لنصف قرن مقبل، فإذا بنا امام «عشرية واحدة» او اقل، لم يلبث الوحش الخرافي المسمى اميركا ان بدأ مرحلة الترهل والاضطراب، وبدا مثل فيل في غرفة مملوءة بالخزف، وخصوصا مع صعود نجم المحافظين الجدد الذين بدأوا عسكرة العلاقات الدولية ووضع مبدأ بوش: «الحرب الوقائية والضربات الاستباقية» لمنع الاعتداء على المصالح او المواطنين الاميركيين الذين هم «استثناء» في العالم.. كله.
خسرت اميركا مكانتها وبدأت الامبراطورية رحلة الهبوط، التي قد لا تكون سريعة ودراماتيكية كما حدث في الاتحاد السوفياتي والقيادة الكارثية لغورباتشوف، إلاّ انه هبوط مؤكد سيجد احدى ابرز تجلياته في دحر النظام الاحادي، عندما حاولت واشنطن قيادة العالم منفردة لكنها «اصابت» فشلاً ذريعاً.
في الخلاصة.. يمكن التوقف عند المغازي العميقة التي انطوى عليها تعليق صحيفة غلوبال تايمز الاميركية على المناورات العسكرية البحرية الروسية الصينية المشتركة «.. بالرغم من فروقاتهما الثقافية، فإن البلدين (نقصد روسيا والصين) متساويان، على عكس علاقة السيد بالخادم التي تربط الولايات المتحدة واليابان».
طبعا في السياق ذاته، علينا عدم إهمال الرسالة التي اراد الرئيس الصيني تشي بينغ ارسالها للغرب عندما حضر احتفالات الذكرى الـ«70» للانتصار على الفاشية الذي اقامته روسيا في الميدان الأحمر بموسكو وظهر الى جانب بوتين.. كتفاً بكتف، ودائماً في تذكُّر الموقف الموحد والحازم من الحرب العالمية التي تُشّن على سوريا.