سوريا: هل انطلق قطار الحل السياسي؟
على عكس ما روَّجه معارضو الفنادق وهواة المؤتمرات الصحفية واطلاق التصريحات «الثورية» فارغة المضمون وغير المستندة الى حقائق ميدانية او احتضان شعبي، كمِثل ما يروج له التركي الجنسية خالد خوجة، الذي نصّبه اردوغان على رأس ائتلاف اسطنبول، وايضاً لؤي حسين الذي قاد ذات يوم حركة سياسية محدودة العدد ولكن فاعلة – نسبياً – على ساحة المعارضة الداخلية، التي طالما وجّه لها ثوار الفنادق في الخارج السوري تهمة التبعية للنظام، وأنها دمى تُحرّكها اجهزته الأمنية، فضلاً عن كونها مُدجّنة وأليفة وتسعى لتجميل صورة النظام، على ما دأب جورج صبرا وهيثم المالح وعبدالباسط سيدو وبرهان غليون وأحمد الجربا ومن لف لفّهم، يوجهونه لهؤلاء الذين بقوا داخل الوطن السوري وأعلنوا رفضهم العسكرة والفرز الطائفي والمذهبي والارهاب، لكنه – لؤي حسين – وقد وصل الى طريق مسدود، او لنقل أصابه التعب ولم يعد قادراً على الاستمرار، فاستسهل الهرب ولم يلجأ الى الصمت او اختار تياراً معارضاً خارجياً ولكن عقلانياً او اقل تبعية من ائتلاف الخوجة وهيمنة الاخوان المسلمين وسطوة اذرعة الاجهزة الاستخبارية الاقليمية – والدولية – التي تحركها، بل ذهب من فوره الى خالد خوجة وظهر «الفارسان» على وسائل الاعلام يرطنان بلغة ثورية ويضعان الشروط ويحددان المصائر ويرسمان الخطوط الحمراء أقلها شطب الرئيس السوري من المعادلة، تحت طائلة رفض حضور اي لقاء وتحت اي مظلة دولية او اقليمية، ما لم يكن الحديث عن مرحلة ما بعد الأسد.. وغاب عن بال كل منهما انهما لا يمثلان شيئاً مهماً ونوعياً في الأزمة السورية وخصوصا لؤي حسين الذي تمزقت مظلة «تيار بناء الدولة» التي كان يتغطى بها واستقال «الخمسون» شخصاً الذين هم كوادره وهيئته العامة وكل ما فيه، ولم يعد ثمة «شيء» اسمه تيار بناء الدولة، ما بالك المسمى ائتلاف قوى الثورة والمعارضة الذي ما يزال يقيم في فنادق اسطنبول وغازي عنتاب، ولا يملك القدرة على إحداث اي خرق نوعي في التمثيل او الاعتماد او التأثير على مجريات الاحداث او التحكم ببعض تجلياتها وخصوصا ازاء التنظيمات المسلحة صاحبة القرار الميداني.
نقول: على عكس ما يرطن به اركان معارضات الخارج، فإن المحادثات التي ستبدأ غداً الاثنين في موسكو بين خبراء روس واميركان، تبدو لافتة وجدّية ورسالة تستبطن رغبة مشتركة في عدم ايصال الامور في سوريا الى نقطة اللاعودة في الخيار العسكري, بعد أن لم يعد خاف على أحد ان المستفيد الاكبر من كل ارتكابات الجماعات المسلحة وفظائعها ضد السوريين, إنما هو تنظيم داعش الذي بدأ يفرض جدول اعماله على المنطقة عبر مواصلة الاجتياحات وعمليات الذبح والقتل والاعدام وكل اشكال الوحشية في تعامله مع المواطنين سواء في العراق أم في سوريا, فضلاً عن الاحتمالات المفتوحة لارتفاع درجة التنسيق والالتقاء في الاستراتيجية مع عواصم اقليمية باتت لا ترى الامور الا من منظار مصالحها الضيقة والصغيرة والعابرة دون ان تضع في الاعتبار مصالح الشعوب ومصائر الدول ومستقبل الاجيال.
وبقدر ما كانت مفاجئة زيارة رئيس الدبلوماسية الاميركية جون كيري الى مدينة شوتشي الروسية على البحر الاسود واللقاء المُطوّل الذي جمعه بالرئيس بوتين وقبله وزير خارجيته لافروف والاعلان عن ان البحث دار حول الاوضاع في سوريا والعراق واليمن, وبخاصة ان فتوراً اصاب علاقات واشنطن بموسكو بعد اندلاع الازمة الاوكرانية وفرض العقوبات على روسيا, فإن من غير المفاجئ الاعلان عن لقاء خبراء ودبلوماسيين روس وأميركان للتباحث حول الاوضاع في سوريا وخصوصاً خروج الرئيس الاميركي اوباما وعلى شاشة احدى الفضائيات العربية وبعد انتهاء مؤتمر كامب ديفيد, الذي جمعه وممثلي دول مجلس التعاون الخليجي الست, ليقول: ان لا حل عسكرياً في سوريا, ما يُشكّل «صبّاً» للماء البارد على رؤوس حامية كثيرة, دأبت وبخاصة في الاونة الاخيرة وبعد سقوط ادلب وجسر الشغور في يد المسلحين, على الترويج للعمل العسكري واقتراب سقوط النظام الآخذ في التفكك, بل ثمة عواصم اقليمية تسعى لعقد مؤتمر للمعارضات السورية المُتصدّعة تحت شعار التأسيس لمرحلة «ما بعد الأسد» وكأنهم يريدون الايحاء بأن سقوطاً كهذا بات مسألة وقت.
في انتظار ما ستسفر عنه محادثات الاثنين العتيد بين الروس والاميركان, فإن ما يجري ميدانياً على الارض السورية هو الذي سيحدد المسارات والمصائر, لكن ما تحمله وقائع الاحداث السورية من مخاطر وشيكة هي التي بدأت توقظ كثيرين من سباتهم أو ازالة الغشاوة عن عيونهم, بعد أن ألبسوا الصراع، زيفاً وبهتاناً، لبوساً طائفياً ومذهبياً, فيما هو بحق صراع بين معسكرين احدهما يرفض التبعية والخضوع وتقديم «الاضاحي» المجانية للسيد الابيض, فيما الاخر يرى في ما يجري فرصة للتخلص من كل ما نجحت سنوات الخمسين والستين من القرن الماضي، في تكريسه جماهيرياً، حول العروبة والرابطة القومية ورفض الاستعمار ومقاومة الصهيونية وسلوك طريق التنمية التي لا تلتقي مع ما يخطط له المستعمِرون الامبرياليون.