نكبة مباركة!
نكبة مباركة… هكذا كتبت الكاتبة جلنار زين، على حائطها في «فيس بوك» صباح أمس ساخرة؛ من ذكرى النكبة (15/ 5/ 2015 ) ويحق لها أن تسخر؛ ولكن لنعلم أن كل ذكر للنكبة، صغر أم كبر، هو بمثابة حجر نرميه في رأس «إسرائيل» حيث تحولت ذكرى النكبة الفلسطينية إلى كابوس يذكر المجرم بجريمة وأن أهل الأرض التي اغتصبها -ذات خيانة- لم ولن يكفوا عن حلم العودة، فهو حلم يسلمه جيل للجيل الذي يليه، وهو يعلم أن الأعمال العظيمة تبدأ دائما بحلم! نكرر مع جلنار: نكبة مباركة (على وزن جمعة مباركة)! أما الصديق الشاعر زهير أبو شايب، فقد كان له شأن آخر «في معنى النكبة» حيث كتب على حائطه قائلا: لم ترُق لي هذه التسمية (النكبة) في يوم من الأيّام، ليس لأنّها اسم من أسماء هزيمتنا الكبرى في فلسطين، بل لأنّها في الأساس تسمية رثائيّة تقرأ حال الفلسطينيّ بعد الهزيمة، ولا تقرأ الهزيمة ذاتها، وذلك يوضّح مدى ذهولنا الممتدّ حتّى اللحظة، وانهماكنا في ترميم حالتنا النفسيّة، بدلا من انهماكنا في وعي الهزيمة ذاتها وكيفيّة مواجهتها. كلّ التسميات العربيّة المتعلّقة بفلسطين مرتجَلة ومشوّشة ولاتاريخيّة، وتحتاج إلى مراجعة ونقد عميقين. استذكار النكبة، إذن، أشبه بطقس تمّوزيّ يرمّم الفلسطينيّ ـ من خلاله ـ ذاته الجريحة الّتي افترسها الخنزير البريّ. وذلك ـ بطبيعة الحال ـ غير كافٍ لمواجهة الهزيمة. ولنلاحظّ أنّ (النكبة) أنتجت (لاجئين)، فيما (النكسة) أنتجت (نازحين)، وأنّ (حقّ العودة)، في أفضل حالاته، هو حقّ عودة (اللاجئين) إلى البلد {القرية/ المدينة} لا إلى الوطن، ولذا فإنّ العودة، هنا، لا تعني عودة كلّ الفلسطينيّين، ولا تعني عودة فلسطين؛ ومع ذلك فإنّ السلطة الفلسطينيّة لا تتحدّث إلاّ عن عودة جزئيّة إلى (أراضي السلطة) لا إلى فلسطين .. والسلطة، بالطبع، لا أراضي لها على الإطلاق في عرف الاغتصاب الصهيونيّ. نحتاج إلى إعادة بناء (وعي الهزيمة) لكي ندرك حقيقة ما أصابنا، ولكي نسعى إلى إنقاذ هذه الذات بدلا من البكاء عليها. ومهما يكن من أمر، فذكرى النكبة هذا العام لها مغزى رقمي غريب، فهو يوم يحتوي على ثلاث خمسات، قلما تلتقي في يوم واحد (15/ 5/ 2015 ) فضلا عن مرور 67 سنة على نكبة 48 و 48 سنة على نكسة 67 ، وهي مفارقة لافتة، تحتاج إلى قارئي دلالات الأرقام، لاستبطان هذه الظاهرة، إن كانت ظاهرة أصلا، أو لها أي دلالة من حيث المبدأ! أتفق مع صديقي زهير في ضرورة إعادة بناء ما أسماه وعي الهزيمة، ليس لكي ندرك حقيقة ما أصابنا فقط، بل أيضا لإعادة بناء «وعي الانتصار» الذي حققه عدونا، الذي يعيش ذروة علو، ليس بعده من علو، إلا بداية النزول، وهذه مسألة تحتاج لحفر عميق فيما آل إليه المشروع الصهيوني برمته، الذي احتفل به «أصحابه» في «يوم استقلالهم» بطقس أقرب إلى الندب، والعويل منه إلى الفرح!