صورة مجتمعنا بلا «مكياج»..!
لا يوجد أي عاقل في بلدنا الا ويضع يده على قلبه خوفا من النوازل القادمة، لكن الشعور “بالقلق” لا يكفي وحده لاجتناب ما يُخشى حدوثه، واخشى ما اخشاه ان نُصاب جميعا “بالخيبة” والاحباط، وان يشعر احدنا بانه “لا جدوى” من الكتابة ولا تقديم النصيحة ولا الدعوة الى الاصلاح، وعندها سنقف مكتوفي الايدي انتظارا “للغيب” : هذا الذي لا نعرف ماذا يخبىء لنا ، او انتظارا لمصير نراه باعيننا وندعو الله ان يجنبنا اياه.. أعمى من لا يرى ما وصل اليه مجتمعنا من انسدادات، ومعاند من يحاول ان “يغطي” أزماتنا بغربال، وخبيث من يتطوع بتزيين المشهد او الاستهانة بمخاضات اللحظة واستحقاتها، او تعطيل حركة التاريخ التي لا يمكن ان تتوقف. منذ اربعة اعوام والناس “تصرخ” بلا جدوى، كان يمكن منذ اللحظة الاولى ان “نلتقط” ذبذبات انينهم واصواتهم وان نفهم رسائلهم ونأخذها على محمل الجد، ولو فعلنا ذلك لانتهت المشكلة، ولكان لدينا حكومة وبرلمان يتمتعان بثقة الناس، ويستطيعان ان يتخذا ما يلزم من مقررات صعبة لانقاذ اقتصادنا،، لكننا للأسف ما زلنا نعاني من حالة “الانكار” والعناد وما زلنا مصرين على ان “العاصفة” ستمر والاوضاع ستتحسن وستهدأ ولا حاجة لتقديم اي تنازلات. ان ما نسمعه ونراه في مجتمعنا (اخرها ما حدث في ثلاث جامعات رسمية من احتجاجات وقصص البلطجية في شوارعنا ومقتل الطبيب ابو ريشة واغلاق نحو 1500 شركة صناعية ومحنة الصحف اليومية ..الخ) هو جزء بسيط من “الصورة” ولا يجوز ان نستهين بما تحتها ووراءها، كما لا يجوز ان “نقنع” انفسنا بأننا “استثناء” وبأن “طيبة” الناس وقدرتهم على الاحتمال تمنحنا “شيكا” ابيض للسحب من “رصيد” معاناتهم، لقد دقت لحظة الحقيقة، ودخل كثيرون على الخط، وبمقدورنا ان نقرأ ما ينشر في الداخل والخارج، وما يقال هنا وهناك، لنفهم ما حدث للاردنيين وما يمكن ان يحدث. ترى من أوصلنا الى هذا الطريق المسدود؟ ومن يتحمل مسؤولية هذه الاشتباكات التي اشغلتنا عن سؤال “المصير” ووضعتنا في سياقات المجهول؟ ادرك تماماً اننا نهرب من الاجابة او أننا نتحايل عليها، وادرك ايضاً ان كثيرين منا باتوا يشعرون بالخطر القادم، لكن – للأسف – ما زلنا نسير نحو “عناوين” مغشوشة، وصراعات لا جدوى لها، ودعوات تؤزم المشهد وتفجره بدل ان تفككه بالحلول والمعالجات المناسبة. اين المشكلة..؟هذا هو السؤال الذي يجب ان نطرحه – اليوم – على مهاد ما يواجهنا من مشكلات، وما يحدث في بلادنا من تحولات، وقد تكون الاجابة عليه محسومة وواضحة لدى الكثير من الناس الذين يتقاسمون خليطا من اليأس والامل، لكن صوت هؤلاء ما يزال خافتا لا يسمعه احد، فيما السياسات والقرارات تبدو مشغولة بالخارج او بمعالجة الاعراض وملاحقة التفاصيل وتزيين الواقع وتجنب البحث عن الجذور والاسباب. ان الخلل الذي نتساءل عنه لا يتعلق فقط بموضوع السياسة او الاقتصاد او الثقافة والقيم، ولا بمشكلات الفقر والبطالة والفساد، ولكنه يمتد الى المناخات العامة التي صنعتها السياسات والقرارات، والى النخب التي تقرر وتروّج وترفض الاصغاء لما يصدر عن المجتمع من ذبذبات التذمر والخوف والانتقاد، ومن اسف ان يكون بلدنا الذي نجا من الطوفان، ما زال يبحث – بارتباك واضح – عن معالم جديدة تقنع الناس بنعمة الامن وجدية الاصلاح ، او باستعادة عافية للاقتصاد، فيما الحقيقة انها مجرد امنيات لا تتوافق مع الوقائع والاحداث. يا إلهي، كيف يمكن “لأحدنا” ان يقف متفرجا على بلده وهو يعيش مثل هذه الازمات؟ كيف يمكن ان “ينام” بهدوء وهو يسمع هذه الاصوات التي تتغلغل في كل بيت “شاكية” او “باكية” من سوء الاوضاع او من القادم الاخطر؟ كيف يمكن “للعقلاء” تحديدا ان يلتزموا الصمت ويتركوا للناس ان يمسكوا بزمام “المبادرة” او يقطعوا اجازتهم الاضطرارية لينتزعوا حقوقهم بمعرفتهم او بأيديهم ؟ اي سيناريوهات نتوقعها اذا ما شعر الناس “الفقراء” بأننا خذلناهم وبأننا ضربنا على “اعصابهم” الحساسة وادرنا ظهرنا لمطالبهم؟ او اذا ما احسّوا بأن “اصواتهم” مجرد صراخ لا يسمعه احد. نريد ان نسمع صوت “العقلاء” في بلدنا لانه حين تغيب “الحكمة” يخرج “الجنون” من قمقمه، وتختلط “الاوراق” ليطل رأس الفتنة، وعندئذ تتعقد الخيارات وتضل الاقدام طريقها الى الصواب وندفع جميعا ثمن الحيرة والتيه.. لا قدر الله.