الاستطلاعات تقيس الانطباعات
لم نكن بحاجة لاستطلاع رأي لنكتشف أن الوضع الاقتصادي أهم تحد يواجه المملكة، ذلك أن الوضع الاقتصادي هو أهم تحد يواجه كل الحكومات في جميع بلدان العالم، ويحتل قمة الاهتمامات الرسمية والشعبية، ويقاس به نجاح أو فشل الحكومات.
الاستطلاعات الشعبية لا تدل على أكثر من الانطباعات العامة، وقد لا تكون لها صلة بالحقيقة. خذ مثلاً موضوع الفساد الذي تم تناوله في المجتمع دون حساب لدرجة اقتنع معها الرأي العام بأنه الغول الذي يأكل مصالح البلاد والعباد.
بل إن الاستطلاع دل على اعتبار أن فساد الجهاز الإداري للحكومة يشكل عنصر الخطر الاكبر، مع ان الحقيقة أن الجهاز الإداري (موظفي الحكومة) في الأردن هم أشرف جهاز إداري في المنطقة، لدرجة يمكن معها الإدعاء بانعدام الفساد كلياً على صعيد الموظف العام الأردني.
وقف بعض المحللين طويلاً عند ما اعتبروه مفارقة بين الشكوى المرة من انتشار الفقر وارتفاع البطالة وسوء الاوضاع الاقتصادية وما إلى ذلك، وبين الثقة التي تمنحها الأغلبية لإدارة الحكومة، واعتبارها قادرة على تحمل مسؤولية المرحلة.
واعتقد أن التفسير الوحيد لهذا التناقض الظاهري هو أن المواطن الأردني يعرف بوجود الفقر والبطالة والأوضاع الصعبة، ولكنه لا يحمل المسؤولية للحكومة بل يلتمس لها الأعذار، أو يعتقد أن الأوضاع قد تكون أسوأ تحت إدارة أخرى.
يذكر أن غالبية كبيرة تشكو من ارتفاع الأسعار حتى عندما يكون الرقم القياسي لأسعار المستهلك سالباً، فارتفاع الأسعار انطباع عام، ولا يغير الصورة كون المعدل العام للرواتب خلال السنوات العشر الماضية كان يرتفع بأسرع قليلاً من ارتفاع أسعار سلة المستهلك ومع ذلك فالانطباع السائد أن الرواتب تتآكل.
هل نلوم الناس ونحملهم المسؤولية لأن انطباعاتهم سلبية، أم نلوم وسائل الاتصال أي الإعلام بمعناه الواسع، حيث تقتضي الشعبية أن يهتف قادة الرأي ضد الفساد والفقر والبطالة والغلاء، لإعطاء الانطباع بأن لديهم حلولاً سحرية لاجتثاث الفساد، والقضاء على الفقر، وخلق فرص العمل، وتخفيض تكاليف المعيشة، فقط لو أعطيت لهم الفرصة وصاروا من أصحاب الدولة والمعالي.
المفارقة الحقيقية أن نتحدث شعبياً عن عيوب الاقتصاد الأردني ونتوقع الأسوأ، في حين تتحدث المؤسسات الدولية عن مناعة وصمود هذا الاقتصاد الأردني وانجازاته وتتوقع الأفضل.