مسلسل
كانت أمي – رحمها الله- تتابع المسلسلات المصرية كثيرا , وأنا كنت أجلس معها في ساعات المساء , هي تعرف موعد المسلسل ..وتجلس على فرشتها وتمسك (المسبحة) ..ثم تندمج في الأحداث .
بعد مرور العمر , إكتشفت أن والدتي , لم تكن مهتمة بالأحداث , مثلا لم تكن معنية في (نبوية) , وعودتها لزوجها , أو أن العمدة ..سيموت وسترجع (العزبة) لصاحبها ..أو أن حسنين , قرر أن يبيع (الفدان)….أمي كان يهمها الكنبايات , وأحيانا السيراميك , وذات مرة أعجبت , بالسجادة … وأحيانا كانت تعجبها (مدرقة) سميرة وذات مرة , كان المشهد طاولة غداء , ونور الشريف كان يؤدي دور تاجر كبير ويتناول (الفراخ) …وزوجته , كانت بجانبه وتقول له :- (بالهنا والشفا) ..أتذكر أن أمي وقتها قالت لي :- ( مو سالقين الجاج يمه) …كيف عرفت ذلك , لا أدري .
في أحد المسلسلات , وبينما كان عبدالله غيث جالسا على كرسي يؤدي دور (كبير البلد ) نظرت لي أمي وقالت :- (شايف يمه هاظ اللون اللي قلتك عنو) …وكانت تقصد لون (الكنبايات) , وفي مرة أخرى أبدت ملاحظة حول الأطباق وأكدت انها (بورسلان) …
أمي لم تكن تهتم بالأحداث ولا بتسلسل القصة , كانت تهتم بالديكورات , والملابس والذهب الذي ترتديه (نبوية) … والسجاد , والمزهريات .
أمي كانت مدرسة , من الحكمة والحياة …كانت كتابا , سطر واحد فيه يكفي ليكون أبلغ من عمري كله …
السياسة الداخلية , لدينا تشبه متابعة أمي للمسلسلات المصرية .. فنحن لا نركز على تسلسل الأحداث وتطوراتها , نحن مثل أمي نركز على الكنبايات , والسجاد والأطباق .. بمعنى أننا نركز على فتح شارع أو بناء مستوصف , أو توظيف عاطل عن العمل ….وننسى تطور الأحداث والشخوص .
لم تقدم الحكومة للان دراسة واحدة , عن التغيرات الإجتماعية المرتبطة بحالة اللجوء الكبيرة التي نعيشها , لم ندفع فلسا واحدا للان على تثبيت هوية المجتمعات الريفية أو البدوية , والمحافظة على النمط الإجتماعي .
كل ما نتحدث عنه هو تفصيلات مرتبطة بدور طبيعي للحكومات , لم نتحدث عن وزارة مرتبطة بالهوية والتراث الوطني , وعروبة الدولة ….لم ندفع فلسا واحدا على ترسيخ البنية العشائرية , للمجتمعات البعيدة عن عمان ….
ثمة تفصيلات , ولكن المهم هو الجوهر ..هو النمط الإجتماعي , للناس والذي بدأ يتغير بفعل اللجوء والفقر …
في لحظة ما الكرامة , تكون أهم من الخبز .. في لحظة ما الضمير يكون أكبر من مصنع بلاستيك , والموقف الرجولي يكون أهم , من قرض لشراء , بكم للبلدية .. علينا أن ننتبه , إلى أن السياسات الإقتصادية , من دون دراسات إجتماعية لاتجدي نفعا .