لا تتركوا بلاد الحرمين وحدها..!
اختارت المملكة العربية السعودية ان تصنع “ربيعها” بنفسها ، صحيح ان البعض فهم ما حدث من تغييرات في سياق تصويب المسارات ، وربما مواجهة النفوذ الايراني الذي اقترب كثيرا من الحدود السعودية ، لكن الصحيح ايضا ان القيادة السعودية الجديدة وجدت امامها عالما عربيا بلا قيادة، فبادرت للجلوس في “ قمرة “ القيادة ، واختارت ان تملأ الفراغ الذي اغرى البعض للتمدد وبسط النفوذ، وهي بالتالي تقوم بواجبها في لحظة حرجة غاب فيها “المشروع” العربي ، وسقطت فيها الحواضر العربية ، وانسدت امام العرب آفاق المستقبل لاسباب ذاتية وخارجية ، واصبحنا احوج ما نكون لصوت عربي يبادر وينتقل من الدفاع الى الهجوم ، ومن الصمت والانتظار الى الحركة والفعل. كانت الشقيقة السعودية بحاجة الى ترتيب بيتها الداخلي لكي تباشر مهمتها “العربية” لمواجهة ما حدث في المنطقة من زلازل، وحين اطلقت “عاصفة الحزم” وبعدها “اعادة الامل” كانت تعوّل على اشقائها ان يقفوا الى جانبها ، لا للمشاركة في المجهود الحربي ، وانما لفتح الطريق امام آلة السياسة لكي تعيد اليمن الى ابنائه اليمنيين وتمنع الآخرين من من استبتاحتها كما استباحوا العراق وسوريا ، لكنها للاسف ابتلعت الخيبة حين اكتشفت انها تقف وحدها في الميدان ، ومع ذلك تجاوزت هذا الخذلان ، واستمرت في مهمتها ، وظل رهانها على اشقائها قائما لم يتزعزع ، حتى وان كان في الصدر بعض عتب. تاريخيا، لم تتأخر السعودية الشقيقة عن الوقوف إلى جانب أشقائها العرب والمسلمين، ولم تبخل عليهم بالدعم والمؤازرة، ومن واجبها عليهم اليوم ، بعد أن ظلت القلعة الأخيرة في عالم عربي تفككت دوله الكبرى وسقطت عواصمه الواحدة تلو الأخرى، أن يقفوا موّحدين معها ، وأن يفتحوا لها الأبواب لإعادة حالة “التوازن” في الإقليم ، فهي بحكم مكانتها وإمكانياتها المؤهلة للقيام بهذا الدور ، ومن دونها سيجد العرب أنفسهم أمام قوى جديدة لا تريد لهذه المنطقة خيراً ، ولا تفكر إلا من خلال “ثقب” مصالحها فقط. لدى المملكة السعودية ، اليوم، رؤية للتعامل مع بعض الملفات الساخنة في المنطقة، أهمها الملفان اليمني والسوري، ومن المفترض أن تحظى هذه الرؤية بإجماع عربي، وإذا تعذر ذلك فبدعم حقيقي من الدول العربية التي سبق أن تحالفت مع السعودية في مواجهة الأزمات الكبرى التي عصفت بالمنطقة ، ومن بين هذه الدول الأردن، ومع أن الأردن الذي انحاز للعمق العربي باستمرار يدرك أن علاقاته مع السعودية استراتيجية، إلا أن المرحلة الحالية تحتاج الى توثيق هذه العلاقة وتعميقها ، ليس فقط لأن السعودية تمثل الشريك التاريخي للأردن ، ومصدر الدعم الدائم له ، وإنما أيضا لأن المخاضات التي تشهدها الشقيقة تستوجب الوقوف الى جانبها ، ووضع ما لدينا من خبرات سياسية في رصيدها لتمكينها من تجاوز التحديات التي نهضت لمواجهتها ، لا على صعيد الداخل فقط وإنما فيما يتعلق بالملفات الإقليمية التي تتصدى لها نيابة عن العالم العربي. لا يوجد أي خيار أمام العرب اليوم إلا خيار “التحالف” لبناء قوة عربية حقيقية، تتشكل من رأس يمتلك الحكمة والقدرة والمبادرة ، ومن جسد متماسك يتحرك بديناميكية وثقة ، وأعتقد أن الفرصة التي جاءتنا من الرياض يمكن أن تمنحنا كعرب “الأمل” لاستعادة جزء من العافية التي افتقدناها على مدى السنوات المنصرفة بسبب الحروب والصراع على المنطقة ، أو أن تمنحنا – على الأقل – لحظة لوقف هذا النزيف العربي ووضع حد للبراكين القادمة التي تهدد منطقتنا بالزوال وشعوبنا بالموت والدمار. الرياض، الآن، تقف في “ مربع “ صعب تدافع من خلاله عن حدودها و حدود أشقائها ووجودهم ، ومهما اختلفت قراءاتنا لمواقفها السياسية ، فإن الشيء الذي لا يجوز أن نختلف عليه هو “انحيازنا “ لها لإنجاح مهمتها التي هي مهمتنا جميعا، فلا تتركوا بلاد الحرمين لوحدها ، ولا تخذلوها لأي سبب أو اعتبار ، فهي آخر “الكبار” في عالم عربي تحول الى “رجل “ مريض لم يخجل جيرانه التأهبيون للانقضاض عليه من إعلان انتظارهم لوفاته حتى يتقاسموا “التركة” ويتوزعوا الميراث. فشروا لن يحدث ذلك..!