تراجع القضية الفلسطينية واحتدام الصراع الطائفي
هل ما زالت قضية فلسطين تحتل الموقع الأول في الاهتمام العربي؟ نحب أن نجيب على هذا السؤال بالإيجاب، ولكن الوقائع سوف تكذبنا.
تراجع القضية الأولى إلى موقع متأخر بل هامشي تكرس بأكثر من ظاهرة عربية جوهرية واختبار حقيقي، وكان أول هذه الظواهر ما سمي بالربيع العربي، الذي قامت به جماهير الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، ولم يأتِ فيه ذكر لفلسطين، مع أنها كانت في وقت ما ليس ببعيد، الأداء المختارة في إدانة الحكام ومحاولة إسقاطهم. والنتيجة فإن الربيع العربي لم يأتِ بالديمقراطية، بل جاء بالفوضى وصعود النفوذ الإيراني.
بعد الربيع العربي والفوضى التي ضربت أطنابها في معظم الاقطار العربية جاء الصراع السني الشيعي الراهن، الذي لم يعد صراعاً بين العرب وإيران، بل خلق هوية بديلة للوطنية والقومية صارت لها الأولوية في تحديد السلوك. ومرة أخرى غابت القضية الفلسطينية، ولم تعد على رأس سلم الأولويات أو قريبة منه.
ليس غريباً والحالة هذه أن تقول إسرائيل أن وجودها ليس السبب في الاوضاع المتفجرة في الشرق الأوسط والتي تستعصي على الحل، وإن يقول المجتمع الدولي أن الشرق الأوسط يتفجر من الداخل بموجب صراع طائفي محموم لا علاقة له بالقضية الفلسطينية.
في عصر الوطنية والقومية كان هناك صراع عربي فارسي عبـّر عن نفسه بحرب ضروس قاتل خلالها الشيعة العراقيون مع وطنهم ضد المطامع الإيرانية، واليوم ينقسم العراق إلى ثلاثة شعوب بينها ما صنع الحداد.
أميركا بقصد أو بدون قصد، هي التي أطلقت شرارة الصراع الطائفي عندما دمرت عراق البعث ونقلت السلطة إلى الشيعة باعتبارها الطائفة المضطهدة، مما أدى إلى تهميش الـُسنة وتحويلها إلى حاضنة للحركات الإرهابية.
لا يشكل الشيعة أكثر من 15% من المسلمين في العالم، ولكنهم يشكلون أغلبية في إيران والعراق والبحرين، وأقلية هامة في لبنان واليمن، وأخذت إيران تحركهم بواسطة أدوات مثل حكومة نوري المالكي، وحزب الله (اللبناني)، والمعارضة الشيعية في البحرين وأخيراً الحوثيون في اليمن.
مر وقت كان القرار في كل بلد عربي بيد فرد مستبد، كان بعضهم يقول أنا أو الفوضى، ويقول بعضهم الآخر إما أنا أو الإسلام السياسي المتطرف، وقد ذهب الطغاة ولكن اتضح أن تحذيراتهم كانت في محلها