الحركات الاسلامية : الى اين..؟!
في سياق المراجعات التي تجري لما حدث بعد مرور اربع سنوات على الربيع العربي ، يطرح ملف الاسلاميين وتصاعد حضورهم والتحولات التي طرأت على افكارهم واستراتيجيتهم فوق الطاولة: ماذا خسروا وماذا كسبوا ، كيف يمكن التعامل معهم؟ وهل اصبحوا يشكلون خطرا يوجب المواجهة ام الاستيعاب؟ هل وجودهم ضرورة ام انه فائض عن الحاجة؟ وهل تغييبهم ايضا مفيد ام انه افضي لخروج آخرين من دعاة العنف والتطرف؟ هل مشاركتهم في السلطة تكتيك ام استراتيجية؟ ما مدى التزامهم بالمحليات الوطنية ومدى قدرتهم على التأثير فيها لمواجهة تحالفاتها مع الآخر؟ وما اجدى الوسائل لترويضهم او تجريديهم من (اسلحتهم) الشعبية؟
الحركات الاسلامية في العالم تستشعر هذه المراجعات وتدرك ما تخفيه من اهداف (واجندات) تستهدفها – بالطبع – ، البعض منها استفاد من المناخات الدولية وحقق بعض الانجازات والانفراجات ، البعض تعايش مع ما لحق به من مضايقات وخسائر استدراكا لفاتورة اكبر لا يريد ان يدفعها ، آخرون لم يترددوا في طرق (ابواب) العواصم الغربية تماشيا مع تقاطعات لمصالح مشتركة ، اطراف اخرى ما تزال تنتظر مصيرها ، لا تريد ان تصدق أن رأسها اصبح مطلوبا مهما قدمت من تنازلات.
فك الالتباس بين تصاعد التيار الاسلامي او امتداد حالة (التدين) وتنامي الشعور الديني والاحساس بالحاجة الى وحدة الأمة ، وبين تراجع وارتباك الحركات والتنظيمات الاسلامية وتنامي العنف مسألة مطلوبة ، فتصاعد (التيار) ترافق مع جمود الحركات ، والتعاطف الذي حافظت عليه هذه الحركات من الجماهير لا يلغي فكرة تراجعها وعدم قدرتها على قيادتهم وتوجيههم.. واستقطابهم لحمايتها تاليا ، وهذا يعني ان استهداف الحركات الاسلامية ربما لن يضر كثيرا بحالة التصاعد والتمدد التي يمر بها التيار الاسلامي على العكس يمكن ان يخدمها لتجاوز محنتها.. ويساعدها في تطوير ذاتها.. لكن ذلك يحتاج الى وقت ، قبله ستكون هذه الحركات قد دفعت الثمن. وربما اخلت مقاعدها (لآخرين) يختلفون في المنهج والادوات.. او – على الاقل – اكثر فاعليه منها على المناورة والمواجهة.
من بين مليار ونصف مليار مسلم في العالم ، يوجد عشرات الملايين من المسلمين (المنظمين): الاخوان المسلمون ، السلفيون – الصوفية ، الجهاديون (دعك من التنظيمات الشيعية) ، وحركات اخرى تدور في هذا الفلك ، وتوجد – ايضا – طبقة متزايدة من الشباب الذين اختاروا (العنف) كوسيلة للمنازلة مع الذات ومع الاخر .. هؤلاء يستقطبون الاهتمام والاثارة والخوف اكثر من غيرهم ، ويملأون لدى الكثيرين (فراغا) للبطل المفقود ، والكرامة المجروحة.. ومن هنا فمواجهتهم او منع تمددهم (بالاعتدال) او بغيره من الوسائل الامنية يبدو غير مجد تماما .
يمكن – بالطبع – الرهان على الحركات الاسلامية التي تصالحت مع مجتمعاتها وحكوماتها الى حد ما ، وأصبحت (مخبورة) تاريخيا ، ومكشوفة امنيا ايضا.. هذه يمكن ان تحافظ نسبيا على (قاعدة) الاعتدال ، وأن تمنع امتداد ووصول التطرف الى دائرة اوسع من الشباب ، وهنا لا بد من استيعابها والتعامل معها بحكمة وشفافية ، بدلا من استعدائها وبالتالي دفع الجماهير الى التعاطف معها ، هذا – طبعا – الى جانب صياغة وتقديم ضمانات اخرى على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، ثم الداخل والخارج ، لتقليل جنوح الشباب نحو التطرف.
الاسلام السياسي – اذن – اصبح مطلوبا – مهما كانت درجة اعتداله – لمواجهة ما يمكن ان يسمى (بالاسلام القتالي) هذا من وجهة نظرالبعض ، لكن يبدو ان رأس الاثنين اصبح مطلوبا ، وأن المواجهة بينهذه الحركات وخصومها لم تكن مكشوفة كما هي الآن ، وخاصة في اطار الحرب التب تشتعل داخل الاسلام وعليه..زد على ذلك ان تمكن (الجاليات) الاسلامية في الغرب من الدعوة واختراق المجتمعات وممارسة البعض للعنف والتطرف هناك يشكل بالنسبة للغرب خطرا آخر.
الاسلام المنظم ، بحركاته وافكاره ودعاته ، احدى (الاجندات) المطروحة على طاولة العالم اليوم ، واذا كان استهدافه ومحاولة حصاره او تدجينة مسألة محسومة لدى الاخرين فإن جموده وانشغاله بخلافات وحروب تاريخيه وصراعات سياسية ، وعدم قدرته على تطوير ذاته ، والتأثير في جماهيره يظل التحدي الاكبر الذي يواجهه ويسهل اضعافه وتجاوزه وايقاعه في المصيدة.