0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
previous arrow
next arrow

ويسألونك عن الهوية الجامعة

حسين الرواشدة

الجدل الذي دار حول “الهوية الجامعة” ذكرني بالجامعات (جمع جامعة)، ذلك لأن المقاربة بين ” الجامعة” كصفة للهوية، وبين الجامعة كمكان للتعليم العالي، تبدو كاشفة بامتياز، ليس فقط لأن الجامعات هي أفضل مختبر لفحص الهوية ومعرفة ما اذا كانت جامعة ام لا، وانما لأن ما جرى داخل اسوار الجامعات (ومعظم جامعاتنا أسوارها عالية) يشبه تماماً ما جرى داخل أسيجة “الهوية”، ابتداءً من الصراعات والمشاجرات، مروراً بالتعيينات والمحاصصات، وانتهاءً بالانتخابات وما يجري في بازاراتها من مشاحنات ومزايدات.

قبل أن استطرد في شرح المقاربة، أشير الى استطلاع للرأي أجرته إحدى جامعاتنا، وشارك فيه نحو أربعة آلاف من طلابها العام 2016، السؤال الذي طرح آنذاك هو: الى أي اتجاه فكري او سياسي تنتمي أولاً؟ الإجابات جاءت على النحو التالي: 66 ٪ لا ينتمون لأي اتجاه، 12 ٪ لهم توجهات قومية عربية، 11 ٪ توجهاتهم إسلامية، فيما 7 ٪ فقط ذكروا أنهم “وطنيون أردنيون”، اذا تجاوزنا عدم انتماء ثلثي الطلبة لأي اتجاه كإشارة ” لموت” السياسة او جمودها، وكذلك “تصحر” الفكر والثقافة، فإن نسبة الذين اختاروا الانتماء “للهوية” الأردنية كانت صادمة، بما يكفي لاستفزاز لواقطنا الوطنية، وإثارة مشاعر الخيبة والحزن داخلنا.

ترى، كيف يمكن ان نفهم حقيقية ان الأردنيين، الشباب منهم تحديداً، لا يضعون الهوية الأردنية كأولوية لانتمائهم السياسي والفكري، لدرجة ان بعضهم يخجل ان يقول: أنا أردني، بما قد يعني ان “الهوية” الأردنية ما تزال ملتبسة في وعي أبنائنا، ولا تشكل “مصدر” اعتزاز او مشتركاً وطنياً بينهم، فيما يعتز غيرنا “بهويته” الوطنية، ويتمايز بها قبل غيرها من الأطر والهويات الدينية او التاريخية أو الفرعية.

ما حدث في جامعاتنا، على مدى السنوات الماضية يعكس معادلة الهوية التي نعتقد (هل نعتقد حقاً؟) بأنها “جامعة”، واذا كانت الجامعات مجرد مرآة تعكس ما يفكر به المجتمع وما يفعله، فإن النتيجة هي ان لدينا أزمة هوية، واننا نعيش تحت قلق الهوية، اذ ما زلنا نتلاوم ونتشاكس: من هو الأردني ومن هو غير الأردني، من هو الوطني الأصيل ومن هو الوطني البديل، وراء هذه الأزمة تقف حملة فزاعات ومحاصصات، ومروجون معتمدون لبضائع مغشوشة باسم ” المواطنة”، واحياناً الدفاع عن الهوية “الجامعة”، لإيهامنا بأننا لا نستحق الّا ما نحن فيه، وإلا فإن البديل هو ان يأكل بعضنا بعضاً.

الهوية، أي هوية، جامعة بطبيعتها، لكنا ما يعزز ذلك، او يجرحه، هو مدى قدرة الدولة بما لديها من قيم وقوانين وما تفعله في اطار سلوكها العام تجاه المجتمع، هنا تبرز “المواطنة” والشرايين التي تغذيها كالحرية والعدالة والمساواة…الخ، لبناء ما يلزم من شراكات بين الدولة والمجتمع على أساس هذه “الهوية”، ولنا أن نتصور – عندئذ- كيف تكون الهوية الوطنية إفرازاً لهذه المعادلة، حيث من المفترض ان يعتقد كل مواطن بأنه جزء من الدولة، وان قضيتها هي قضيته، ليس عند اقتسام الغنائم، وانما عند دفع الضرائب، واغلاها ضريبة ” الدم” دفاعاً عن الوطن.

في غياب المشروع الوطني يبقى قلق الهوية حاضراً، كما يظل عاملاً مؤثراً ومهماً في تأجيج نوازع التعصب والخوف، وربما الكراهية، كما انه قد يوظف من قبل بعض الأطراف لإذكاء حالة الصدام، او لتحصيل المكاسب، او التمهيد لاستحقاقات مشبوهة، والأسوأ من ذلك ان “الهويات” الرجراجة قد تكون أفضل وصفة “للانقسام” على أي أساس، ديني، او ديمغرافي، او طبقي، هنا نحتاج الى صفة “الجامعة” للهوية، ليس لتحسين الصورة والخطاب، وانما لحماية الوجود “الوطني”، والحفاظ على “نعمة” الدولة أيضاً.

(الغد)