تحالفات اقتصادية جديدة
سلامة الدرعاوي
القمة الثلاثية التي عُقدت قبل شهرين في بغداد بين قادة كُلّ من الأردن والعراق ومصر أسست لتحالف إقليمي جديد في المنطقة خارج الإطار التقليدي لتلك التحالفات التي كانت بالأساس بالنسبة للأردن تحديداً متجهة شرقاً نحو دول الخليج العربي.
أردنياً، ينظر للتحالف مع العراق ومصر على اعتبار أنه بات أمراً واقعاً وبديلاً للمساعدات العربيّة التي كانت تتلقاها الخزينة خلال العقود الماضية والتي تراجعت بشكل كبير في السنوات الخمس الأخيرة خاصة بعد انتهاء العمل بغالبية مشاريع ما سمي بالمنحة الخليجية التي حصلت المملكة عليها بقيمة (3.65 مليار دولار)، حيث قلت المساعدات الخليجية بعد هذه المنحة بشكل كبير، وخلت تقديرات الموازنة من أي أموال عربية داعمة لها، وهو ما جعل الأردن يفكر بالخروج الهادئ من الاعتماد على مساعدات الخليج، بإقامة تحالفات جديدة، لتحقيق تفاهمات سياسيّة بين الدول الثلاث تجاه مختلف القضايا، وتعطي دفعة رئيسية لتطوير العلاقات الاقتصاديّة بين الدول الثلاث، على أساس جديد من العمل المشترك المتين الذي يخدم كل دول المنطقة وشعوبها، ويعود بالمردود الإيجابي عليهم جميعا.
ملف الطاقة أحد أبرز الأدوات الاقتصاديّة القوية التي تمتلكها الدول الثلاث، ما بين دول منتجة للنفط والغاز والكهرباء، وكلها ركائز مهمة للعمل المشترك في قطاع الطاقة وكانت البدايات مع لبنان وسورية اللتين تعانيان من أزمات خانقة في قطاع الطاقة لأسباب أمنية وسياسية خاصة بهما.
هنا كانت المباحثات الناجحة التي أجريت قبل أيام قليلة لربط دمشق وبيروت على شبكة الربط الكهربائي العربي بواسطة الأردن، وتصدير الغاز المصريّ إلى لبنان عن طريق سورية مروراً بالمملكة.
هذا المشروع الاقتصاديّ الاستراتيجي والذي قد يكون الأكبر في حال استكماله تجاوز كُلّ الأبعاد السياسيّة في علاقات دول المنطقة ببعضها البعض، وحقق اختراقات غير مسبوقة وسريعة في استعادة العلاقات شبه المقطوعة بين العديد من دول الجوار.
الأردن ومن خلال الملك قاد دبلوماسية غير مسبوقة لتعزيز الأمن والاستثمارات الاقتصادية في المنطقة، ووضع الحالة السورية على رأس تلك الأجندة في مباحثاته الإستراتيجية مع الإدارة الأميركية في محادثاته الأخيرة معها، واستطاع بنجاح أن يجعل الملف التنموي والاقتصادي يتجاوز محددات المشهد السياسيّ المعقد، ويدخل لأول مرة التعامل التدريجي للمجتمع الدولي مع النظام السوري بعد سنين من الغياب عن المشهد الدوليّ بسبب الأوضاع الأمنية والعسكرية التي تعيشها دمشق، وهو ما جعل عمّان يبرز دورها الحيوي في أن تكون صلة الوصل للنظام السوري في استعادة حضوره النسبي بواسطة الملف الاقتصاديّ الذي يحظى بتفاهم دولي عالي المستوى.
دخول ملف الطاقة بقوة إلى لبنان بواسطة تصدير الكهرباء الأردنيّة والغاز المصري عن طريق سورية مروراً بالأردن، يزيد من التشابك الاقتصادي بين الدول السابقة، ويبرز العنصر الاقتصاديّ كمفتاح أساسي لاستقرار تلك الدول، متجاوزا المحددات والتعقيدات السياسيّة التي فرضت حالة الجمود على المشهد العام في علاقات تلك الدول ببعضها البعض.
أردنياً، العراق وسورية ومصر ولبنان، تشكّل الحجم الأكبر لمبادلات الأردن مع الدول العربية والتي تستحوذ على أكثر من 50 % من إجمالي مبادلاته العامة، وبالتالي سيكون الأردن في حال توظيفه الجيد لتلك الأسواق أمام فرصة تاريخية لتعزيز حضوره الاقتصاديّ وأخذ حصة مريحة من تلك المبادلات، مما سيكون له الأثر البالغ في توسيع القاعدة الاستثماريّة لديه من جهة، وزيادة صادراته من جهة أخرى.
اقتصاديا، هناك أسواق متعطشة لعمليات اقتصادية من قبل تحالف دولي يحظى بدعم الدول الكبرى وتحديدا أميركا وروسيا، كسورية ولبنان والعراق، فالدول السابقة اليوم هي بأمس الحاجة لجهود إعادة إعمارها وتعزيز أمنها الاقتصادي الداخلي، والمملكة تحظى بهذه الفرصة والإمكانات بحكم الواقع الاقتصادي الفعلي، والجوار الذي يفرض على تلك الدول التعامل مع المملكة اقتصاديا.
قطاعات مهمة مثل الطاقة والطيران والصناعات الإنشائية والكيماوية والغذائية والهندسية أمام فرصة تاريخية لاختراق تلك الأسواق، وكل ما في الأمر تحويل التفاهم السياسي الراهن إلى خطط اقتصاديّة تنعكس إيجابيا في العلاقات التبادلية بين تلك الدول عن طريق التحالف الإقليمي الجديد الذي سيغني المملكة في المستقبل عن مساعدات الجوار.
وكالة الناس – الغد