الرويجل
إن مخالطة الناس والتعرف إليهم لا تقف عند حدود الاسم والرسم ، أو الجمال والدمامة، أو الغنى والفقر ، أو الموقع المرموق أو المخزوق . بل يتعدى إلى معرفة النفوس وطبيعتها وتلونها ، معرفة أعماقها و اسرارها، معرفة حجمها المعنوي بعد أن تعرفنا على حجم الكيلو غرامات من الدهون والشخت . التعرف على المستوى الراقي أو الهابط ، التعرف على النخوة أوالنذالة ، التعرف على المواقف الكبيرة أو المواقف المخزية . التعرف على الأجواد المؤصلين وأصحاب الجاحظ من طوابير البخلاء المستنبتين بدون جذور ولا أصول . تعرف الرجل ومستواه من لحن القول ولا يغتر العاقل بالشكل كما قال تعالى عن المنافقين ” واذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خُشُبٌ مُسَنَّدة ” . يروى أن عمر بن الخطاب سأل : من يعرف فلانا” ؟ فقال أحدهم : أنا ، فقال عمر : هل أكلت معه ؟ قال : لا . قال عمر : هل سافرت معه ؟ قال : لا . قال عمر : إذن انت لا تعرفه .
وفي أدبياتنا الشعبية ( حَسّبت الباشا باشا طلع الباشا زلمه) .
حدثني أحد شيوخي في القرويين فقال : دعا أحد أثرياء مدينة فاس أصحابا” له لوليمة ، لكن أحد المدعوين طرده البواب لان ملابسه رثة ، فعاد الرجل الثري إلى بيته ولبس ملابس مميزة ورجع إلى مكان الدعوة فرحب به الحارس وانحنى له احتراما” . فلما وقفوا للطعام مد الرحل طرف ثوبه وصار يحرك به الإدام !! فقالوا له : ماذا تفعل ؟ فقال ثيابي المدعوة فحق لها أن تأكل.
لطالما عشنا السطحية، وتم التغرير بنا على أن هذا رئيس وهذا أمير وهذا وزير وهذا وهذا وتبين لنا فيما بعد صَغَار هؤلاء وأنهم ينطبق عليهم المثل القائل : صيت الجمل قتله.
كل ما قلته استحضرته الذاكرة وأنا أشهد هذه النوعية من الناس . جاء رجل يطلب من وجيه حقيقي أصلي وليس من البرامكة الذين يعتلون في زمن الغفلة فقال : لي عندك حويجة ، فقال الوجيه الأصيل : ابحث عن رويجل . فيا رويجل هذا الزمن أنت مكشوف عار ورأسمالك معروف ، مواقفك النذلة مسجلة ، ويكفي أن من تسيء إليهم هم الذين أحسنوا إليك وليس لك عليهم مِنّة . أنت اليد السفلى وهم اليد العليا . أنت من جئت ترجو بينما حملوا العزة ولم يتنازلوا عنها رغم أن ما في جيبك أكثر لا بكدك ولا تعبك ، فأنت من يُنفَق عليه وليس العكس .
طال الزمن أم قصر سنبقى الأعز بإذن الله وأنت الأذل .
هل وصلتك الرسالة ؟ اذا لم تصل فالجعبة مليئة والأيام قادمة ولن نمل حتى يعرف الناس من هو الرجل ؟ ومن هو الرويجل .