الأردن وسورية اقتصاديا
سلامة الدرعاوي
خطوات متسارعة يخطوها الأردن باتجاه إعادة ترميم شبكة علاقاته مع الجارة الكبرى سورية، ولا يمكن الحديث عن هذا التقارب بعيداً عن جوانبه السياسية والأمنية والاقتصادية، فجميع المؤتمرات السابقة باتت على ملف المباحثات الجارية بين الجانبين منذ أشهر بالخفاء.
سورية الدولة المحاصرة والتي تعاني من تداعيات أمنية وخيمة أثرت على استقرارها ومكانتها في الإقليم منذ 2011، تبحث منذ أشهر طويلة عن جهة دولية ذات مكانة مرموقة عالميا لطرح ملفها في المحافل الدولية وأمام الدول الكبرى، وكان الملك الأخير الذي يحمل هذا الملف وقام بتقديمه للعالم بشكل يعيد بارقة الأمل بعودة سورية التدريجية إلى أحضان المجتمع الدولي من جديد.
ملف سورية الذي حمله الملك في مباحثاته الأخيرة مع الإدارة الأميركية أفضى إلى تفاهمات جعلت الاقتصاد في خدمة العامل السياسي والأمني.
فالعلاقات الاقتصادية السورية قبل الربيع العربي كانت تتجاوز في بعض الفترات حجم تبادلات تجارية بقيمة 460 مليون دولار، وكان الميزان التجاري لصالح دمشق بحكم الكلف المنخفضة والتنوع السلعي الصناعي في بعض القطاعات وتحديداً الغذائية والنسيجية منها.
لكن اليوم الأمر مختلف كثيرا، فسورية تعاني من أوضاع اقتصادية صعبة، وتراجع إنتاجها الصناعي في مختلف القطاعات بشكل حاد، وفي بعض القطاعات هناك توقف إنتاجي شبه كامل، إضافة إلى معاناة شبه كاملة فيما يتعلق بقطاع الطاقة.
اليوم، الأردن هو بوابة سورية للعالم ليس فقط من الناحية السياسية، ولكن ايضا اقتصاديا، فمشروع تزويد لبنان بالطاقة سيكون من خلال المملكة مرورا بالأراضي السورية التي ايضا ستتزود باحتياجاتها من الطاقة الكهربائية حسب ما هو متفق عليه.
لكن عودة العلاقات الاقتصادية الأردنية السورية لن يكون بالشكل الذي يعتقد البعض انه سيعود إلى سابق عهده، فهناك قانون قيصر الأميركي الذي يفرض عقوبات على كل من يتعامل مع الجانب السوري الرسمي، لكن واضح ان الأردن استطاع ان يحصل على ميزة في تجاوز هذا القانون بموافقة أميركية، كدعم سياسي واقتصادي للمملكة، وهناك تفاهمات لترسي آليات التعامل الاقتصادي مع سورية يجري ترتيبها بدأت باكورتها في استئناف رحلات الملكية لدمشق بواسطة حافلات لنقل الركاب من والى مطار الملكة علياء الدولي.
باقي القطاعات الاقتصادية من تجارية وصناعية وزراعية وغيرها من القطاعات يتطلب من الحكومة إعداد آليات عمل حصيفة تمكنها من تلبية احتياجات السوق السورية المتعطشة للبضائع المختلفة لإعادة الإعمار وتلبية الاحتياجات المعيشية هناك.
والأمر يحتاج إلى حصافة حكومية في تسويق رشيد لآليات التعامل الصناعي مع سورية التي تفرض حظرا على الكثير من السلع الخارجية من الدخول لأسواقها تحت حجة حماية منتجاتها الوطنية ومنها سلع أردنية، وهذا ما يفرض على الحكومة إعداد قوائم سلع تبادلية مع الجانب السوري، بحيث تدخل السوقين السلع غير المصنعة محليا في كلا البلدين، وباتجاه تكاملية الأسواق والإنتاج، مع التشدد في تطبيق مبدأ التعامل بالمثل منذ اليوم الاول في عمليات التبادل الاقتصادي بين البلدين.
فرصة تعظيم استفادة البلدين من عمليات فتح الحدود ستكون كبيرة في حال تأسيس علاقة واضحة منذ البداية، فالأصل هو التكاملية وحماية الإنتاج الوطني خاصة من عمليات الإغراق التي قد تحدث في حال فتح باب الاستيراد من سورية على مصراعيه، فالضرر حينها سيكون كبيرا على الصناعات الوطنية التي ستواجه وقتها سلعا بكلف شبه معدومة من سورية تغزو الأسواق في ظل اجواء تنافسية غير كفؤة على الإطلاق، وهنا يتحتم على الحكومة البدء بداية صحيحة في الانفتاح الاقتصادي على سورية ولا تمرر الأخطاء التي وقعت فيها في علاقاتها مع دول كثيرة، أثرت سلبا على واقع ميزان التجارة بيننا وبين تلك الدول بشكل فاضح.
حماية الإنتاج الوطني وتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل الاساسي الصحيح للسير في بناء علاقة اقتصادية رشيدة، فلا يمكن ان تحل مشاكل البطالة وتداعياتها ومشاكل الفقر دون توجه حقيقي لحماية المنتج الوطني ودعم الصناعة الوطنية من النافذة غير المتكافئة وغير المشروعة التي تتعرض لها الصناعة الأردنية، إضافة للقطاعات الاقتصادية المشغلة للعمالة، وجميعها يجب ان تكون على رأس أولويات التحفيز الاقتصادي ومنافسة الفقر والبطالة خلال المرحلة الراهنة.
وكالة الناس – الغد