لا يستقيم الإصلاح الإداري إلا بهذا
سلامة الدرعاوي
كل محاولات الحكومات بإصلاح القطاع العام باءت بالفشل، حتى خطط إعادة تصويبه وترشيده كان فشلها مؤثرا في الإدارة العامة، حيث أفرغت وزارات ومؤسسات الدولة من الكفاءات والخبرات العالية نتيجة ما قامت به الحكومة السابقة من قرار “فاضح” بإحالة كل من بلغت خدمته العامة 30 عاماً للتقاعد، وهو ما افرغ القطاع العام من الصف الثاني القيادي في غالبية المؤسسات الرسميّة مع كل أسف.
لا يمكن الحديث عن أي إصلاح إداري في القطاع العام، تطوير واستعادة فاعليته دون ان تعيد الحكومة النظر في بعض القرارات والسياسات السابقة والتي مازالت تمارس لغاية يومنا هذا، وعلى رأسها قرار التقاعد لمن أكمل 30 عاما، فهذا الأمر بات جريمة بحق الدولة التي باتت قيادة مفاصلها اليوم لآلاف من الموظفين الذين تساقطوا عليها بالبراشوت خلال العقدين الماضيين، فالأصل في الإحالات ان يكون هناك تدريب وتسليم مسبق قبل الإحالات على التقاعد التي باتت في علم المفاجآت.
الخطوة الثانية في الإصلاح الإداري هو إيقاف فوري بالعمل لما عُرف بخطة إعادة الهيكلة الإدارية التي أقرتها حكومة البخيت الثانية عام 2011 بميزانية تبلغ 82 مليون دينار، لتتجاوز كلفتها الماليّة الحقيقية أكثر من نصف مليار دينار لغاية يومنا هذا، وهو ما أعتبره شخصيا أكبر قضية فساد مالي في تاريخ الدولة الأردنيّة منذ نشأتها، فلا يوجد أية قضية مشابهة لها بالاعتداء على المال العام بهذا الشكل الصريح والذي تتحمّل الأجيال كلفه وتداعياته الماليّة والتي لن تتوقف دون تجميدها فوراً.
الأمر لا يقتصر على خطورتها الماليّة، بل إنها تسببت في هجرة الكفاءات والخبرات التي إما أحالت نفسها على التقاعد أو أنها استطاعت العمل في الخارج، بالمقابل منحت هذه الخطة الكارثية على الاقتصاد زيادات ماليّة للعاملين في القطاع العام أشبه ما يكون بالتغطيات في زمن الجاهلية، وكأنها كافأت أصحاب التعيينات بالواسطة والمحسوبيّة.
هذه الخطة ببنودها العقيمة حرمت كل مؤسسات الدولة والوزارات من القدرة على التعاقد مع أصحاب الخبرات، تحت حجة التساوي في العقود والرواتب، وان الجميع يجب ان يكون خاضعا لديوان الخدمة المدنية وتعليماته.
التعامل مع موظفي القطاع العام يجب ان يكون على مبدأ القطاع الخاص في الثواب والعقاب، فما يحدث اليوم هو انتشار حالة اللامبالاة عند الجميع سواءً من كان يعمل جيدا ام لا ، فهناك حالة من التسيب نتيجة فقدان عمليات الرقابة والتقييم والمساءلة، فلا حوافز واضحة للمجتهدين، ولا عقوبات رادعة للمخطئين، لا بل ان هناك تعقيدات إدارية تحول دون اتخاذ أي ضوابط لتقويم سلوك الموظفين المخطئين في أعمالهم اليومية، وهو ما جعله يعزز من انتشار حالة الاستقواء على الحكومات في حال قيام أي عملية إصلاحية إدارية، فسرعان ما تتحرك القوى التقليدية من نواب وعائلات وشخصيات متنفذة وغيرها من القوى المعطلة لأي عمليات إصلاحية تحت حجج واهية أهمها السلم والأمن المجتمعي.
تأسيس جديد لمعهد الإدارة العامة وفق معطيات واضحة تتجه نحو تطوير عقلية الموظف العام باتجاه خدم المجتمع، وان المناصب العامة هي للخدمة وليست للتشريف والمظاهر الاجتماعية الكاذبة، فنحن بأمس الحاجة الى إعادة صقل الموظف الحكومي وتفعيل دوره ونشاطه ليكون اكثر فاعلية وإنتاجية وخدمة مجتمعه.
دون العمل بالخطط العلاجية الإدارية سابقة الذكر سيبقى الخطاب الإصلاحي الإداري في الدولة حبراً على ورق، والأزمة تزداد في عمقها يوما بعد يوم.
وكالة الناس – الغد