تواطؤ اقتصادي على الأردن
سلامة الدرعاوي
تقرير البنك الدولي الأخير الخاص بممارسة أنشطة الأعمال والذي أظهر ان الأردن يحتل الترتيب الأول من بين قائمة الدول الأفضل تحسناً والسير بإجراءات الإصلاح يكشف اموراً خطيرة تعرضت لها المملكة لتخفيض مرتبتها الدولية.
التقرير الذي أوقف البنك الدولي السير فيه لحين إعداد منهجية جديدة كشف عن تواطؤ لبعض دول الجوار مع موظفين ومسؤولين كبار في البنك الدولي لتخفيض مرتبة الأردن وإحلال دول أخرى مكانه، من خلال تزوير في البيانات والمعلومات التي قدمت لبعثة البنك الدولي التي تدقق في مدى التزام تلك الدول بشروط ومعايير ممارسة انشطة الأعمال.
عمليات التزوير في المعلومات التي قدمت من بعض دول الجوار سنة 2019 لبعثة البنك الدولي هي تواطؤ علني ومفضوح لا يمكن فصله عن الضغوطات السياسية التي كان يتعرض لها الأردن خلال هذه الفترة وتحديداً نتيجة لمواقفه الصلبة والرافضة لما يسمى في عهد إدارة ترامب بصفقة القرن.
التواطؤ الذي حصل والذي كان باتفاق مع بعض كبار موظفي البنك الدولي لقاء طلب تلك الدول في حال تخفيض ترتيب الأردن وإزالته من المرتبة الأولى هو استكمال لتلك الضغوط السياسية لكن في الجانب الاقتصادي هذه المرة وتأجيج حالة الاستياء المعيشي لعدد كبير من المواطنين بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تحيط بالاقتصاد الأردني والتحديات الإقليمية التي لها انعكاسات داخلية كبيرة على الأمن المعيشي للأردنيين.
لا يمكن ترجمة ما كشفه التقرير الدولي من تواطؤ بعض دول الجوار على المملكة اقتصادياً إلا انه يأتي ضمن ضرب الجهود الإصلاحية التي يقوم بها الأردن ومحاولاته لزيادة الاعتماد على الذات، ومعالجة الاختلالات الاقتصادية التي يعاني منها الاقتصاد الوطني منذ عقود طويلة.
تخفيض ترتيب الأردن من المرتبة الأولى في تقرير البنك الدولي الخاص بممارسة أنشطة الاعمال تعني بكل بساطة تشويها لصورة المملكة على خريطة الأعمال والاستثمار المحلية والعالمية، فهذا التقدير الدولي الصادر عن أكبر مؤسسة اقتصادية عالمية له مصداقية حاسمة لدى الشركات العالمية والمستثمرين والصناديق الاستثمارية، بهدف إيقاف أي تدفقات استثمارية أجنبية للمملكة من الخارج، نتيجة ان بيئة الأعمال في الأردن ليست مهيأة لاستقبال تلك الاستثمارات، وبالتالي لن يكون الأردن موطنا لأي استثمارات جديدة في المستقبل.
نعم، نقولها بصراحة، الأردن يتعرض منذ سنوات قليلة لحصار مباشرة وغير تقليدي من بعض دول الجوار وهذا كان واضحا من التراجع الكبير في حجم المساعدات التقليدية التي كانت تتلقاها المملكة والتي تراجعت خلال السنوات الخمس الماضية او حتى ان بعضها شبه متوقف، ولا يستطيع احد ان يفسره سوى بأنه شكل جديد من سياسات الضغط على المملكة.
أهمية هذا التقرير على الاقتصاد الأردني بأنه يمثل مرآة لمجتمع الأعمال الخارجي، وبمثابة شهادة حسن وسلوك صادرة عن البنك الدولي لتلك الدول، وبأنه ينفذ إصلاحا اقتصاديا رشيدا وضمن ما هو متفق عليه.
من حسن حظ الأردن ان الذي كشف عمليات تزوير البيانات الواردة في تقرير ممارسة انشطة الاعمال من كبار موظفي ومسؤولي البنك الدولي، والذين أعادوا تصويب ترتيب الدول وعلى رأسهم الاردن كأفضل الدول سيرا في التحسينات الإصلاحية، وهو ما يعطي دلائل كبيرة أهمها ان حجم الدول وامكاناتها ليس عاملا حاسما في علاقات الدول بتلك المؤسسات العالمية، فرغم وجود العامل السياسي مسيطرا في كثير من اتجاهات تلك المؤسسات وعلى رأسها البنك الدولي، فيبقى الجانب المهني الاختصاصي هو العنصر الأكثر سيطرة على سلوك المؤسسات الدولية مع الدول، والأردن أفضل مثال على هذا .
مصداقية الأردن الخارجية مع المؤسسات الدولية والمانحين، والالتزام بعمليات الإصلاح رغم جسامة الظروف والتحديات هي بحد ذاتها مثار اعجاب وتقدير من تلك المؤسسات الدولية، وهذا هو رأسمال الأردن والذي يقوده الملك بدبلوماسية، جعلت المملكة محط احترام دولي كبير، ومركزاً وثقلاً سياسياً في المنطقة ولاعباً حيوياً في إقليم الشرق الاوسط رغم صغر حجمه ومحدودية موارده والتي على ما يبدو تعتبر محط حسد وغيرة من بعض دول الجوار.
وكالة الناس – الغد