اعترفي أيتها الحكومة ولا تحمِ أحدا
وكالة الناس – منذ أن صحونا في هذه الدنيا، ونحن نسمع عن حوادث مختلفة، تكون الحكومات طرفا فيها، لكننا نادرا ما نسمع اعترافا حكوميا بالخطأ، وكأن الحكومات مقدسة، ولا تخطئ، او ان الاعتراف بالخطأ، ينقص من عمرها، فلا تعرف ماهي هذه الذهنية التي تعتبر الإنكار سياسة حكومية؟.
كل المشاكل والأزمات، التي تفجرت فجأة، وتم إلحاقها بلجان تحقيق، كانت النتائج دائما متشابهة، وكأننا أيضا أمام محاولات للتهرب من المسؤولية، بكل الوسائل، بدلا من الاعتراف بالمسؤولية، وكلفتها، وعدا حالات نادرة اعترفت فيها الحكومات بمسؤوليتها، إلا أنه في أغلب الحالات كان هناك نوع من التهرب من المسؤولية، فالحكومة في الأردن بمؤسساتها، لا تخطئ ابدا.
بين أيدينا قصة الطفلة لين، التي تم إدخالها مستشفى البشير بعد آلام شديدة، وتعرضها لمشكلة في الزائدة الدودية، مما أدى الى وفاتها، حيث يقول والدها ان ابنته كانت تعاني من ألم في البطن، فقام بأخذها الى مستشفى البشير بتاريخ 3 ايلول 2021، وتم تشخيص الحالة بأنها التهاب في المسالك البولية، ثم أرسل ابنته مرة أخرى إلى المستشفى، لتشخص الحالة في المرة الثانية على أنها التهاب في الأمعاء في حين قام الأب بعدها بعرض ابنته لين على طبيب خاص، والذي أبلغه بأن ابنته تعاني التهاب الزائدة الدودية، وطلب منه الذهاب لأقرب مستشفى، حيث عاد لمستشفى البشير مرة أخرى ليتم تشخيص الحالة على أنها زائدة دودية، وبعد انتظار اربع ساعات، كانت الزائدة قد انفجرت لدى ابنته، وأدخلت بعد ذلك إلى غرفة العمليات، لتخرج وقد رحلت.
مقابل كلام الأب الذي يحمل المسؤولية الفعلية للمستشفى بسبب التأخر في انقاذ طفلته، وتناقض عمليات التشخيص يقول حسن الهواري مدير المركز الوطني للطب الشرعي، بأن سبب وفاة الطفلة لين التي خضعت لعملية جراحية في مستشفى البشير، يعود إلى تجرثم الدم نتيجة التهاب غشاء البطن، بعد إجراء عملية جراحية لاستئصال الزائدة الدودية، وان هذا الأمر يحدث عندما تنفجر الزائدة الدودية التي ينتج عنها التهاب بالتجويف البطني الذي ينتج عنه انتقال الجرثومة إلى الدم، فيما أعلنت وزارة الصحة عن إجراء تحقيق حول حادثة الوفاة من قبل فريق طبي وإداري وقانوني مؤلف من وزارة الصحة والجامعة الهاشمية، وذلك بشكل منفصل عن لجنة التحقيق المشكلة من قبل إدارة مستشفيات البشير.
ما بين لجنة، ولجنة، وتصريح ورد فعل، فقدت العائلة ابنتها، وهذه هي الحقيقة، ولن يكون مناسبا البحث عن تبريرات طبية، لرفع المسؤولية عن احد، خصوصا، ان إرث الحكومات في هذا الصدد سلبي جدا، وكلما سمع المواطنون عن لجنة، اعتبروها لجنة لدفن القضية وليس لتحديد المسؤوليات، خصوصا، ان القصة هذه المرة واضحة جدا، مع تسلسل الاحداث التي كان من الممكن عبرها إنقاذ الطفلة، بدلا من التباطؤ في اسعافها، وإضاعة الوقت في اكثر من تشخيص متناقض لوضعها، بما أدى في النهاية الى تفاقم حالتها، ورحيلها عن هذه الدنيا، بهذه الطريقة.
هذه القصة، أي قصة لين ذات الخمس سنوات، يجب ان تفتح كل ملف المستشفيات الحكومية، وهي في اغلبها تعاني من مشاكل كثيرة، خصوصا، في اقسام الطوارئ، وقد كنا نسمع سابقا عن غضب الأهالي، وضربهم لطبيب هنا، او هناك، او اتلاف محتويات وأجهزة في اقسام الطوارئ، فكنا ندين الفاعلين، ونعتبر سلوكهم غير لائق، لكنك حين تسأل عن سبب افعالهم، تكتشف ان بطء الرعاية، في ظل حالات خطرة، وعدم الاهتمام، والإهمال، او كثرة الضغط، او ضعف الإمكانيات كان يؤدي الى غضب الأهالي في حالات كثيرة، وهو غضب لا يجوز أن يؤدي الى ردود فعل من هذا القبيل، لكن دوافعه تؤشر على مشكلة في المستشفيات الحكومية، وفي اقسام الطوارئ.
قصة لين يجب ان تفتح كل ملف المستشفيات الحكومية، وعلى الحكومة ان تمتلك الشجاعة، وتعترف بالمسؤولية، اذا ثبتت، بكل امانة، وان لا تحمي أحدا، فلا احد يستحق الحماية مقابل ضياع حياة انسان، وان حميناه في الدنيا، فمن سيحميه في الآخرة؟ وهذا هو السؤال الأهم.
إذا ثبتت المسؤولية فلتعترف بها الحكومة، فهذا هو واجبها الأساس، ولا يضرها.