استثمارات الحكومة.. رعوية أم استثمارية؟
سلامة الدرعاوي
كانت في السابق استثمارات الحكومة مناطة تحت مظلة ما يسمى بالمؤسسة الأردنية للاستثمار، ثم تطورت إلى ما يعرف بشركة المساهمات الحكومية، والآن باتت بإشراف وملكية شركة إدارة الاستثمارات الحكومية، فهل هناك فرق بين هذه الهياكل التي تحتضن في طياتها أصول الدولة وملكياتها المختلفة؟
الإجابة نعم، هناك اختلاف نوعي كبير بين تلك الهياكل التنظيمية السابقة وبين شركة إدارة الاستثمارات الحكومية، فالهياكل السابقة كانت مظلات “رعوية” أقرب للمعونة الوطنية توزع عضويات مجالس إدارات الشركات التي تساهم بها الحكومات على شكل تنفيعات للوزراء السابقين والمتقاعدين والقوى المتنفذة المختلفة ضمن سياسات الاسترضاء التي انتهجتها الحكومات في التعيينات في تلك المجالس التي كانت اقرب للتنفيعات، بعيدة كل البعد عن الكفاءة والإدارة الرشيدة، فكل طامح خارج من السلطة كانت الحكومات تعينه رئيساً أو عضواً في أحد مجالس إدارة تلك الشركات التي كانت من المفترض والمنطق ان تعمل وفق أسس اقتصادية بحتة.
المشهد في تلك التعيينات السابقة كان مؤسفاً للغاية، والنتيجة كانت مخيبة للآمال في معظم إدارات تلك الشركات التي شابها كثير من أعمال إفساد في إداراتها وأعمالها، وهذه محصلة طبيعية لغياب التقسيم واتباع الحاكمية في اختيار ممثلي الحكومة في تلك الشركات.
اليوم تحولت تلك الهياكل “التعيسة” إلى شركة إدارة الاستثمارات الحكومية وبإدارة حصيفة جديدة تمتلك من الخبرات العالمية في إدارة المحافظ الاستثمارية والتمويل ما يؤهلها لجعل أصول الدولة ومساهمات الحكومة في الشركات ثروة وطنية تؤسس لأن يكون في المستقبل صندوق سيادي برأس مال كبير.
اليوم وبعد سلسلة أعمال التخاصية التي قامت بها الحكومات السابقة على مدى عقدين من الزمان تمتلك الحكومة أسهما في 36 شركة بقيمة استثمارية تبلغ 2.6 مليار دينار، منها 9 شركات ملكية كاملة، و 6 شركة ملكيتها تتجاوز الـ50 بالمائة من رأسمالها، و21 شركة مساهمات الحكومة فيها أقل من 50 بالمائة من رأسمالها، تتنوع الاستثمارات ما بين أكثر من قطاع أهمها (الطاقة والمعادن والنقل والبنية التحتية والاستثمارات الغذائية والسياحة والعقارات).
هذه الاستثمارات تحتاج اليوم إلى عقلية اقتصادية استثمارية لا إدارة أصولها وتعزيز تلك الموجودات التي هي بمثابة مدخرات للأردنيين وأجيالهم، والنظرة في إدارة تلك الأصول الضخمة على أصول اقتصادية استثمارية بحتة اقرب ما تكون لفكر القطاع الخاص في إدارة أنشطته وأعماله.
أحسنت الحكومة في وضع أصولها الاستثمارية تحت مظلة شركة إدارة الاستثمارات الحكومية، ومنح إدارتها التنفيذية لشخصية عملت لعقود في اكبر بيوت الخبرة العالمية في إدارة الأصول والاستثمارات لتكون صاحبة الولاية في إدارة هذه المساهمات النوعية التي هي بأمس الحاجة لتطويرها ونموها لتكون رافدا اكبر للخزينة، ولكن هذا لا يكفي، الشركة بحاجة إلى دعم رسمي كبير لمنحها صلاحيات واسعة للخروج من الاطار التقليدي في التعامل مع شركات الحكومة واعتبارها مؤسسة ريعية يجب تعيين وتوظيف من لا شأن له فيها كما كان حاصلا حتى وقت قريب.
الصلاحيات التي يجب ان تمنح لإدارة شركة الاستثمارات الحكومية هو تفويضها بالعمل على أسس اقتصادية بحتة، تعتمد على نتائج دراسات الجدوى لا بناء على توجهات حكومة أو وزير، وان يكون لإدارتها الحرية الكاملة في اختيار ممثليها في عضويات مجالس إدارة الشركات التي يملكون فيها أسهما بناءً على معايير الكفاءة وضمن قواعد الحاكمية والرشيدة.
الشركة حتى تكون نموذجا اقتصاديا يُضاهي كبريات الشركات في القطاع الخاص يجب ان تكف الحكومة في التدخل في توجيه قراراتها، وان تمنح مركزية اتخاذ القرارات لتتجاوز الكم الكبير من التعقيدات والتشابكات مع مختلف وزارات ومؤسسات الدولة.
استثمارات الحكومة المتبقية أمام فرصة تاريخية للنهوض بها وتنمية أصولها من جديد والتوسع من خلال الشركة سيكون أمام مفترق طرق بناء على شكل العلاقة مع الحكومة وكيفية تنظيمها وعدم الدخل بشؤونها كما جرت في سنوات سابقة، فهي إما ان تكون أداة الدولة الاستثمارية الرشيدة، وإما ان تبقي مؤسسة رعوية لأصحاب المعالي والعطوفة، وملجأ للمتقاعدين والشعبويين ومركزا للتنفيعات والرعاية الاجتماعية.
وكالة الناس – الغد