في الحرب على الإرهاب.. متى نبدأ وأين ننتهي ؟
الشخصية المتطرفة التي تمارس «الغلو» في سلوكها وأرائها وفي علاقاتها مع مجتمعها هي نواة الشخصية الإرهابية التي تقتل بدم بارد وتحرق وتسلب وترتكب كافة أشكال العنف الدموي ولذا فهناك حالتان للشخصية الإرهابية، فإما شخصية جرمية لا تتستر بأي ذريعة أو فكرة وتمارس الإجرام باعتباره نوعا من الانتقام أو التمرد علي المجتمع أو السلطة، أما الشخصية الإرهابية الاخرى فهي تلك التي تستتر بالدين والدفاع عنه أو بقضية تعتقد أنها تدافع عنها، والشخصية الأخيرة هي الأخطر لأنها تعتقد أنها علي حق وان كل من يخالفها الرأي أو السلوك أو المعتقد هو عدو «حلال قتله».
الدراسات التي أجريت على الشخصيات الإرهابية دللت على انه بالإمكان التعرف على الشخصية المتطرفة في وقت مبكر وتحديدا خلال مرحلتي التعليم المدرسي أو الجامعي، فغالبا ما يكون المتطرف إما انعزاليا، أو شكاكا، أو مغرورا أو نرجسيا، أو عنيدا يرفض كل شيء، أو مازوشيا يحب أن يتعذب أو ساديا يحب تعذيب الآخرين أو عبثيا مستهترا، وكل تلك الحالات يكون تحصيلها العلمي دون المستوى المطلوب، ولهذا فان الجهد الأكبر لمحاربة التطرف والإرهاب يجب أن ينصب مبكرا على هذه الفئة العمرية من خلال وجود اخصائيين اجتماعيين ونفسيين في المدارس والجامعات يولون هذا الأمر اهتماما بالغا من خلال متابعة هذه الحالات ورصدها والبدء في التواصل معها لمعالجتها، وفي حال الفشل في ذلك يجب إعطاء الجهات الإدارية المسؤولة في المدرسة أو الجامعة أو الأهل أو الدولة تقيما مبكرا للحالة لمتابعتها.
… وعندما تجد مثل هذه الشخصية المتطرفة بيئة فكرية تُجمل لها العنف وممارسته باسم الدين أو أية أفكار ايدولوجية سياسية، تجدها مستجيبة وبدرجة عالية من التفاعل، لأنها تريد تحقيق ذاتها بالهروب من عقدها النفسية والاجتماعية بالتغطي بالدين، حيث يوفر لها هذا العنصر اقصد الدين وهنا نتحدث عن الإسلام السياسي عنصر الطمأنينة الذي يجعلها ترى في كل ما تقترفه من أعمال على انه أمر من الله ومن اجل الله.
ومن هنا تأتي الأهمية القصوى للحلقة الثانية في محاصرة التطرف ومحاربة الإرهاب وهي مرحلة الجهد الفكري – الديني الذي يجب أن يتصدى بصورة رئيسية إلى نبذ فكرة «الحاكمية» التي استند إليها الخوارج في حربهم مع الإمام علي رضي الله عنه عندما رفضوا التحكيم بينه وبين معاوية بن أبي سفيان وقالوا «لا حكم إلا لله» وهي دعوة لا علاقة للدين فيها فهي مقولة تنضح بالسياسة منذ ذلك الوقت، و«لا حكم إلا لله» تحولت بعد ذلك قاعدة فكرية – عقائدية لكل جماعات الإسلام السياسي التي تريد إقامة الدولة الدينية او دولة الخلافة أو أنها تُكفر أي دولة أو مجتمع ليس قائما على أساس ديني (لاحظوا أن المدعو أبو بكر البغدادي حرص علي التغطي بالدين وفقا لمبدأ الحاكمية الذي أشرت إليه بتسمية كيانه الإرهابي بالدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام وأطلق على نفسه لقب خليفة واخذ يطلب البيعة من الناس).
إن الأزهر والجامعات الإسلامية الرصينة ورجال الدين ورجال الفكر مطالبين بتنقيح التراث الإسلامي والحديث الشريف حيث نجد أن الفكر التكفيري يلجأ إما إلى التفسير الخاطئ لبعض الآيات القرآنية أو اعتماد أحاديث مشكوك فيها أصلا أو قصص من التراث الإسلامي كقصة «الفجاءة السلمي» التي استند إليها التنظيم الإرهابي بحرق الشهيد البطل معاذ الكساسبة، وهي رواية غير صحيحة اتُهم فيها أبو بكر الصديق بأنه أمر بحرق فجاءة السلمي بعدما خانه وتمرد عليه في حروب الردة، ويجمع المؤرخون على أن راوي قصة الفجاءة هو علوان بن دَاوُدَ البجلي» هو رجل مطعون في روايته وشهير بكذبه.
الحرب على الإرهاب تستلزم كل ما سبق، وآخر العلاج هو «لكي» أي العلاج الأمني.