عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

ردنا المزلزل ليس ثأرا أو قصاصا بل ضرورة امن وطني

بقلم النائب: د. رلى الحروب

أثبتت الإدارة الامريكية فشلا كبيرا في إدارة ملفات الصراع في المنطقة، كما اثبتت فشلا اكبر في حربها على الارهاب، وفشلا مضاعفا في التعامل مع ثورات الشعوب العربية في سوريا ومصر وليبيا واليمن والعراق، هذا عدا عن فشلها التاريخي في كل حروبها واخرها العراق وافغانستان والآن داعش، وفشلها في لعب دور الوسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين وانحيازها المطلق المجرد من اي ذكاء او بعد نظر او حكمة لصالح إسرائيل في كل المحافل الدولية وقرارات مجلس الامن والجمعية العامة.

والأردن اليوم الذي ينضم الى التحالف الدولي ضد الإرهاب دفاعا عن أمنه وأمن المنطقة يجد نفسه مضطرا للعمل تحت قيادة تعمل بالطريقة الهوليودية دون أي انجاز حقيقي على الأرض، فقد تبين ان مخططات السياسة الامريكية تقوم على التنبؤات التي تروجها مراكز الدراسات والأبحاث التي تستقي معلوماتها أصلا من مصادر مضللة وتقدمها لصناع القرار على هيئة خيارات تسميها استراتيجية اثبتت فشلها الذريع وحولت المنطقة الى براكين متفجرة ترمي الحمم ولا تنفث الا الخراب.

أزمة القيادة في البيت الأبيض انعكست بجلاء على كل ملفات الاقليم، واخرها داعش والحوثيون وفي الوقت الذي تتمتع فيه اجهزتنا الأمنية الأردنية بكفاءة عالية لانجاز المهمة وتحجيم ما يسمى تنظيم الدولة ومن والاه وناصره ودار في فلكه لو كانت هي من يقود هذه الحرب، فإن هذه الأجهزة لا تتولى القيادة مع الأسف، ولذلك يستمر التحالف في توجيه ضربات غير فعالة إما جهلا أو تجاهلا، ويحارب تنظيما مسلحا نما بسرعة فائقة كالنبت الشيطاني دون جذور او دعامات ، بطريقة استعراضية ومنذ ما يقرب من خمسة اشهر بلا جدوى ودون ان يسلب التنظيم اي مساحات على الارض ( الا ان كان التحالف فخورا بنسبة الواحد في المائة التي اعلنتها الـ(CNN)، ودون ان يحقق اي اهداف استراتيجية او حتى تكتيكية ، في حين ان تحالف اميركا وبريطانيا عام 2003 دمر دولة راسخة كالعراق واسر رئيسها وقضى على جيشها الذي صنف رابع جيش في العالم آنذاك في ثلاثة أسابيع!!

لا اريد ان اخوض في تفاصيل الاخفاق الامريكي في المنطقة، فسيكون مكانها مقالا آخر، ولكننا الآن في مأزق خطر تسببت فيه الادارة الامريكية بالاساس بتقاعسها عن التدخل في الوقت الذي كان التدخل فيه ممكنا ودونما ثمن باهظ، والنتيجة اننا الان امام خيارات احلاها مر، وجميعها طويلة المدى ، فحجم التعقيد في العلاقات بين القوى المتناحرة في الاقليم ، ومناطق النفوذ التي تم تقاسمها فيه خلال الاعوام الاربعة الماضية، برعايات من قوى اقليمية وعالمية، اضحت اكبر من قدرة اي محور على التعامل معها بسرعة وفاعلية، ولذلك فإن التصريحات المتعددة بأن هذه حرب طويلة هي واقعية مع الاسف، وتعبر عن حجم الازمة وعمقها وتشابك خطوطها.


وجود جيشنا واجهزتنا الاستخبارية في موقع متقدم من إدارة دفة الحرب على هذا التنظيم تخطيطا واشرافا ، بات ضرورة ملحة، وقد يسهم في إحراز بعض التقدم في مسار هذه الحرب، حتى وإن لم نشارك بالضرورة في حرب برية بجنودنا، فالامل الوحيد في القضاء على هذا التنظيم الخطر والذي عبر عن همجيته في اكثر من مناسبة، اخرها احراق أسيرنا معاذ بهذه الطريقة البشعة التي تشمئز منها حتى الشياطين، هي في شن ضربات جوية سريعة قاصمة قوية على التنظيم الذي يختبئ بين المدن والازقة ويحتمي بالمدنيين، بالتزامن مع هجوم بري كاسح، ليأتي الرد مباغتا ومزلزلا، فالتنظيم لن يهزم الا بحرب شاملة، يخوضها جيش واحد بقيادة واحدة ضمن نمط هجومي واحد يتلقى الدعم والمعونة من التحالف، وليس مجموعة من الجيوش التي لا يجمعها رابط او تنسيق او أسلوب عمل، ويفتقر جنودها الى ادراك الهدف الذي يحاربون من اجله. هذا الجيش يمكن ان يكون الجيش العراقي في العراق، والجيش الحر في سوريا مبدئيا، ولكن نظرا لانعدام خبرة الاثنين فإن دعمهما بوحدات خاصة متقدمة من جيوش لها خبرة حقيقية في المعارك ورصيد تاريخي من الانجازات يضحي ضرورة قصوى، وإلا فإننا نخاطر بإطالة امد الحرب دون تحقيق نتائج ايجابية، بل ونغامر بانتشار فكر داعش وتمدده داخل كل دول الاقليم جراء ما يدركه الجمهور البسيط على أنه معجزة الصمود في وجه التحالف، والحقيقة هي ان التحالف عاجز عن العمل في ظل اختباء هذه المليشيات المسلحة بين المدنيين من جهة وعدم وجود اهداف واضحة للتنظيم لقصفها، وفي ظل تحول العراق وسوريا الى دول فاشلة تعجز جيوشها عن حماية الارض والشعب والنظام، وفي الحالة السورية هي غير متعاونة مع التحالف، بل وداعمة لتنظيم داعش.

حسم العلاقة مع نظام الأسد في سوريا لا بد منها ايضا لانجاح الحرب، فإما اتخاذ القرار بالعمل جديا وبسرعة على انهاء النظام بما في ذلك من تعقيدات مع قوى اصبحت عظمى مثل روسيا والصين وايران، وإما القبول ببقائه نظير التعاون في الحرب على الارهاب شريطة القبول بحل سياسي يحقق المصالحة مع الفصائل الاخرى الثائرة ‘ المسماة بالمعارضة المعتدلة’ ويتيح الفرصة امام حكومة الوحدة الوطنية القادمة لتوحيد جهودها في مواجهة بقايا هذه التنظيمات المسلحة واعادة الاستقرار الى سوريا، وهو ما يمهد الطريق امام عودة اللاجئين خلال بضع سنوات والتخلص من أعبائهم على الدول المضيفة وعلى رأسها الاردن الذي يئن تحت ثقل هذا الكابوس بصمت.

حرق ‫#‏معاذ_ الكساسبة لم يحرق قلوبنا فقط، ولكنه طعننا في الصميم، وجرح كبرياءنا الوطني، وعلينا ان نقتص من القتلة قصاصا عادلا بسرعة وقوة ودون تردد، وأن ندك أوكارهم ونستأصل شأفتهم، ليس فقط لمداواة الجراح ورفع معنويات الجيش والشعب، ولكن، لأننا ان تركنا هذه الطغمة الباغية المريضة المنحرفة عن الفطرة لتفسد في الارض وتنشر الرعب وتبسط سلطتها بالارهاب، فإننا سنفاجأ بها وبأمثالها وأشباهها قريبا جدا على ابوابنا، إن لم يكن داخل مدننا وقرانا وحاراتنا، فهذه الشهية المفتوحة للتمدد شعارهم الذي اعلنوه ويمارسونه ونجحوا فيه حتى اللحظة، رغم غارات التحالف قليلة الفاعلية، وفكرهم المشوه ينتشر كالسرطان ويتغذى على تراث من فقه معتل انتشر بدعم ورعاية بعض النظم البائسة وبات الآن كالطاعون لا يمكن مواجهته الا بالحرق ، ومن يتذرع بأن هذه الحرب ليست حربنا وما زال يطالب بانسحابنا منها يعبر عن قصر نظر لا يغتفر او يخدم اجندات معادية لاستقرار الأردن، علم أم لم يعلم.

نتمنى ان يدرك التحالف أن الأردن هو الأكثر كفاءة والأدرى بشعاب مكة، وأن يدرك الشعب الاردني أننا نحن أم الولد و المتضررون الحقيقيون مما يحدث في سوريا والعراق على كل الصعد، امنيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وأن هذه الحرب لم تعد حربا استباقية او وقائية، كما أنها ليست حربا للقصاص أو الثأر، وإنما ضرورة أمن وطني، ودفاعا عن قيمنا التي نحيا بها ونعيش، وعن تنميتنا التي تراجعت وستتراجع بسبب عوامل عدم الاستقرار في المنطقة، وان انسحابنا منها هو انتصار لأجندة داعش في ارهابنا، وهدر لدم الشهيد معاذ، وتعريض لحياتنا جميعا للخطر، ومن ينكر ضرورة هذه الحرب إنما يرغب في رؤية الأردن يسقط بأيدي هؤلاء البرابرة دعاة جهنم وأشباههم أعداء الإنسانية والحياة والتقدم ، أعداء الله والحضارة والحريات، معتقدا انه بذلك يعيد صناعة المعادلات على أسس جديدة تعيد ترتيب اوراق الاقليم ، وهو إنما يلعب بالنار ، ليست تلك التي أحرقت معاذ، وإنما تلك التي ستحرق الاقليم وتبدأ رحلة الالف ميل باتجاه الغائه من قاموس الحضارة البشرية.