0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

يزيل البقع المستعصية

إذا تابعنا كل إعلانات مساحيق الغسيل أو جلي الأواني، فإنها كلها تزيل البقع المستعصية، ونشاهد جميعاً اسم المسحوق أو المحلول وإلى جانبه صورة مسحوق أو محلول بلا اسم، لكن كل الإعلانات تعني أن كل المساحيق والمحاليل تزيل البقع المستعصية أي أنه لا توجد بقع مستعصية ومستوى البياض في أعلاه.
وفي عالمنا العربي، لدينا تجارب القمم واللقاءات الثنائية بين القادة عبر العقود الماضية وما ينتج عنها من تأكيد على العلاقات الأخوية والمصالح المشتركة والمصير المشترك لنكتشف أن العلاقات ليست أخوية وأنها لا تخلو من مؤامرات وعتاب وزعل وأحياناً تعطيل مصالح ومحاولات اسقاط نظام لآخر.
وفي بلدان من عالمنا العربي كانت الإشادة بالوحدة الوطنية والتماسك الداخلي، ومع أي هزة سياسية وفوضى أمنية، نجد تلك الوحدة تتحوّل إلى طوائف ومذاهب ، وترفع كل جغرافيا أو هوية فرعية أو مذهب ، أو ولاء خارجي سلاحه بوجه (أخيه الافتراضي)، ويتمزق الناس، ونكتشف أن كل الوحدة والتماسك مثل البقع التي تزول سريعاً.
وفي بقع أخرى، من عالمنا العربي يكون الحديث عن الوحدة والاخوة في لقاءات المجاملات وتحت عيون الكاميرات، لكن لقاءات الجغرافيا الواحدة وحتى لو كانت على مدرج ملعب كرة قدم أو كرة سلة تكشف لنا أن علاقات الأخوة هذه أكثر العلاقات كذباً، فلا الانصهار موجود ولا الذوبان الأخوي بل هي الكتل السكانية التي تمارس التمثيل ، لهذا عندما غاب القانون وضعفت سلطة الدولة ظهرت زيف ادعاءات الوحدة والتماسك في العديد من المجتمعات.
وفي بقع أخرى من عالمنا العربي، كنا نعتقد أن مشكلتها في زعيم متفرد قمعي فاسد ومن حوله من أركان نظامه، وعندما ذهب الزعيم سقوطاً أو قتلاً أو هروباً اكتشفنا أن رحيله لم يزل بقع الظلم والفساد والموت، وبدلاً من فاسد وقمعي واحد ظهر المئات والآلاف، وكل يُهدر مال الدولة بطريقته، وكل يصنع الموت بأسلوبه، وبدلاً من زعيم رديء ظهر على كل سيارة بكب ودفع رباعي عشرات الزعماء كل منهم يقتل وينفق، بعضهم يفعل هذا باسم الله والدين، وآخر باسم القبلية، وآخر باسم الوطن، والضحية هم الناس الذين ربما يبكون على واقع فيه زعيم واحد رديء لا أن يكون في كل شارع زعيم رديء.
وعلى بقعة أخرى من أرضنا العربية هنالك من تقدم الصفوف في الدعوة إلى الإصلاح، ومن كان يسمع صوته المرتفع، وصعوده الأكتاف كان يعتقد أن هذا الشخص وأمثاله رضعوا شعارات الإصلاح بدلاً من حليب الأمهات، أو حليب البودرة القادم من هولندا أو غيرها، وعندما تغوص في أعماق المشهد، نجد للإصلاح تعريفات لا علاقة لها بصدق الناس الراغبين في محاربة الفساد، وإصلاح الحال، تعريفات ترتبط بأي شيء إلا الإصلاح الحقيقي.
لو كانت كل المساحيق والمحاليل تزيل كل البقع ولا تقف في طريقها أي بقعة مستعصية لكان حال الغسيل والجلي مثل حال أمتنا وعلاقاتها الأخوية ووحدتها الوطنية وتماسك مجتمعاتها وإصلاحها وفسادها… ، ولما ظهر كل عام انواع جديدة من المساحيق تعلن انها الحل لكل البقع.