عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

الصناديق أم التوابيت؟ الإجابة من تونس..!!

وسط هدير الحرب التي اشتعلت في عالمنا العربي، وموالد « الاحزان « التي نصبت في كل مكان، اشفقت على نفسي وعلى القارئ العزيز من اجترار المزيد من الآلام، ففضلت  في اليومين المنصرفين أنْ ابتعد عن الكتابة لانه لا يوجد لديّ اية أخبار سارة يمكن ان اكتب عنها في واقعنا الراهن، لكن تونس العزيزة فتحت امامنا «فسحة « امل وسمحت لنا ان نستنشق شيئا من الهواء النظيف، ومثلما ألهمتنا حين اطلقت من سيدي بوزيد شرارة «الثورة» ها هي تلهمنا مرة أخرى حين فتحت للمرة»بوابة « الديمقراطية بعد ان ودع الناس هناك منطق الخوف من تزوير «اصواتهم» ومنطق الاستقالة من السياسة والمشاركة فتصالحوا مع بلدهم ومستقبلهم وقرروا ان يحتكموا الى الصناديق…وبالتالي انتصرت ارادتهم الحرة على محاولات «الاجهاض»  وفزاعات الارهاب التي استهدفت كل بادرة «أمل» بالتغيير والنهضة في عالمنا العربي.

اذا كانت صورتنا في  عصر» حروبنا الاهلية» التي رفعت البنادق مع المصاحف -وآسفاه – قد افزعتنا، فإن صورتنا الاخرى في مرآة اخواننا التوانسة تدهشنا وتسعدنا وترشدنا ايضا، فبعد مخاضات طويلة تقلبت فيها تونس بين فصول الضجيج والهدوء وتغلبت فيها على منطق الخوف والانانية والاستعلاء،  اصبح بمقدورنا  -اليوم- ان نتعلم  من تجربة اشقائنا، اولا – درس  «التوافق»  حين يكون حلاً لمشكلاتنا، وثانيا- درس»التنازل»  حين يكون قوة لا ضعفا، وثالثا- درس  «الانتصار « حين نجرد حسابات الربح والخسارة فنجد اننا نخسر لما ينتهي صراعنا على الحاضر أو الماضي إلى «تضييع» المستقبل، ونكسب حين تتقدم مصلحة «الجماعة الوطنية» على مصالح الجماعات والأحزاب والتيارات، ورابعا- درس الشراكة و»التعددية» اذ  يلتقي العلماني مع الليبرالي مع الإسلامي على طاولة واحدة بعيداً عن صراع «الملفات» الإقليمية وإغراءات «الاستحواذ» على السلطة.

 تقول لنا تونس، انه لايمكن للاخرين – مهما كانت قوتهم ومهما اشتد كيدهم ومكرهم – ان يعبثوا  او يتدخلوا او ينتصروا الا  اذا انحنت الظهور لهم، فالدول  والاوطان مثل الاجساد قد تهاجمها الامراض ولكنها لا تتغلغل في اوصالها  ولا تشل حركتها  اذا كانت محصنة وتتمتع بما يلزمها من عافية، وتقول لنا تونس: إن  الثورة الحقيقية لا تُسقط نظام الاستبداد او رأسه  فقط، وانما  تُسقط  معه -ايضا-  افكارا «اوهاما ان شئت» سممت اذواق الناس واذهانهم ايضا : تسقط  فكرة «عزوف الناس عن المشاركة» بذريعة انهم لا يؤمنون بالصناديق او انهم غير ناضجين لممارسة الديمقراطية، وتسقط فكرة «العنف»  والارهاب  الذي استخدم كفزاعة لتفصيل الديمقراطية المطلوبة على مقاسات السلطة، وتسقط فكرة الانتصار للحزب والفصيل والطائفة على حساب الانتصار للوطن، وهي التهمة التي الصقت بالاحزاب لطردها من دائرة «التعددية» والوطنية لكي يظل الحزب الواحد منفردا بالسلطة والحكم ، وتسقط ايضا فكرة «المؤامرة» التي تقف خلف الثورة وفكرة «الفوضى» التي ستفضي اليها الثورة.

لم ينفرد احد في تونس برسم المشهد، هذا صحيح، فقد قرروا جميعا ان تنجح « التجربة» مهما غلا الثمن، لكن الصحيح ايضا هو ان الاسلاميين الذين تصدرت اصواتهم الصناديق ونجحوا في الوصول للسلطة ضربوا لنا مثلا كنا بحاجه اليه وسط  اجواء التخويف من الدين ومحاولات محاصرته، فقد تصرفوا بمنطق «الشراكة» لا بمنطق «الغلبة» والاستحواذ، واعتبروا أنفسهم «جزءا» من الجماعة الوطنية لا «وصيّاً» على المجتمع، ونجحوا في اقناع خصومهم السياسيين «بحمل» المرحلة من خلال «ترويكا» جمعت مختلف القوى السياسية، وحين واجههم «الشارع» بالاحتجاجات لم ينجروا إلى «العنف» الذي كانت السلطة -فيما مضى- تمارسه ضدهم، وإنما تركوا للناس أن يمارسوا حريتهم، وتنازلوا عن كثير من المواقف، حتى فيما يتعلق بالنص في الدستور على أن الشريعة هي المصدر الأساس للقانون، وحين ارتفعت اصوات الثورة المضادة وكادت عدواها ان تصل اليهم غادروها واشهروا عليها الطلاق ثم افسحوا المجال  لشركائهم بقيادة المرحلة الانتقالية وادارتها؛ لأن تونس -كما قالوا- اهم من حركة النهضة ولان الديمقراطية اهم من السلطة.

نحتاج الى استحضار صورة تونس»الخضراء» وانتخاباتها الديمقراطية  لعلها تعوضنا عن صور»العواصم « الحمراء التي لوّنها الدم، او تفتح امامنا ابواب الهمة والامل وتطرد من عقول اجيالنا وقلوبهم كوابيس الخوف والاحباط ، أو تبدد هذا الغبار الكثيف الذي حوّلنا الى احصائيات من القتلى واللاجئين في اوطان تحولت الى توابيت ومقابر .

شكرا لاخواننا في تونس الذين طمأنونا على عافيتنا الوطنية، وعلى ما تبقى لدينا من ثقة بذاتنا وبمجتمعاتنا، وعلى مستقبل يمكن ان ننتزعه من فم «الحوت « الذي يريد ان يلتهم كل شيء في اوطاننا، وان يحولنا الى «رقيق « في اسواق تتاجر بهذا العربي «اليتيم « الذي ما ان يهرب من تحت دلف الاستبداد السياسي حتى يقع تحت مزراب الاستبداد الديني، وما ان يتحرر من استعمار الاجنبي حتى تضل قدماه الى احافير الظلم الوطني الذي لا يراعي فيه الا ولا ذمة …