نسدد فاتورة الاساطير التي اسست خيباتنا …!!
في مطلع هذا العام قلت في هذه الزاوية ان العام 2014 الذي أطل علينا سيكون مرشحاً لتسديد الفواتير وتصفية الحسابات على اعتبار ان العام 2013 كشف المستور وأجج بيننا الاحقاد والفتن والصراعات.
الآن حين ندقق في الفواتير التي بدأت تتدفق على حسابتنا، سنجد ان بلداننا لا يمكن ان تحتمل دفع ما استحق عليها وما التزمت به، لا على الصعيد السياسي ولا الاخلاقي ولا الاقتصادي، وبالتالي فان معظم دول منطقتنا ستشهر افلاسها، وسنكون امام مواسم جديدة تفاجئنا بسقوط انظمة وعواصم، وموجات متتالية يتناسل من خلالها المزيد من اجيال التطرف والعنف، وعواصف سياسية متحركة محملة بأتربة الحقد والثأر والضغينة والكراهية ومجبولة بالدم ايضا.
السؤال الذي لم يوجه اليه النقاش بما يكفي، كما ان الاجابات عليه ما تزال معلقة برسم الصدمة والفرجة هو : كيف يمكن ان نواجه هذه القواصم التي هزت العواصم ؟ولأننا بالطبع لم نحدد هذه القواصم -لا على صعيد الذات المقهورة والمجروحة ولا على صعيد الاخر المتربص والشامت – فاننا سنظل ندور في حلقة مفرغة لن تجد من يملأها سوى هؤلاء»القرود» الذين خرجوا علينا من غاباتنا بعد ان اهملناها وتركناها ملاذا لهم، لابل وقتلنا ما تبقى فيها من «الاسود « ظنا منا ان الجميع من فصيلة واحدة.
عنوان هذه القواصم – مهما اختلفت تسمياتها ومجالاتها – هو « الفشل « فنحن في عالمنا العربي للاسف فشلنا في السياسة وفي الاقتصاد وفي «التدين، وفشلنا في بناء الدولة وفي بناء الانسان المنتمي والمنتج، وفي اقامة موازين العدالة، وحين تهيأت لنا فرصة الخروج من تحت مظلة الظلم والقهر والاستبداد، تحركنا على الفور لاجهاضها، ظنا من البعض ان مجتمعاتنا لم تنضج بعد لاستقبال ذبذبات «الحرية والديمقراطية»، او ان ما جرى كان مؤامرة تستهدف وجودنا، او ان الابقاء على الاوضاع كما هي ارحم من دفع تكاليف التغيير، لكن ها نحن نكتشف بان قيمة الفواتير التي سنسددها اكبر بكثير من قيمة فواتير الاصلاح والتغيير التي كان يمكن ان ندفعها عن طيب خطر ونستثمر فيها بدل الخسارات مزيدا من الارباح.
لا بد اليوم ان نصارح انفسنا ونعترف بان ما الكوارث التي حلت بنا والمحن التي نواجهها هي من فعل ايدينا، وبان المشكلة فينا نحن اولا ، اذ لايمكن للآخر ان يتجاسر علينا ويسرح ويمرح في بلداننا لولا اننا تحولنا الى «مركب سهل « وظهور منحنية ومكسورة، وهياكل فارغة تبحث عمن يتحرك فيها ويملؤها بما يريد وكيفما يريد .
نسأل انفسنا اليوم : من اي تربة خرجت علينا احساك التطرف واشواكه ومن اين جاء هؤلاء المتطرفون ؟ كيف تمددت «ايران « في عواصمنا الاربع وعلى تخوم المضائق والموانئ وحدود الصحارى، ما الذي يغري الاجنبي لترتيب بيوتنا وتأثيثها وفرض «تصاميمه» الجديدة علينا ؟ نسأل انفسنا ايضا : لماذا تفككت مجتمعاتنا وتحولت الى طوائف وقبائل تناصب بعضها العداء ولماذا غاب صوت العقل من منطقتنا واصبح الجنون هو سيد الموقف؟ كبف تحول الدين الى ساحة مفتوحة لحروب المذاهب ؟ هل نحتاج الى مزيد من الدماء والتوحش ومن القتل على الهوية وباسم الله ومن الكراهية والاحقاد حتى نعيد حساباتنا ونتوافق على انقاذ انفسنا وبلداننا من هذه الشرور ام اننا سنظل نكابر وننتظر ونكرر خيباتنا حتى يأتي اليوم الذي لا ينفع فيه الندم؟
الاجابات بالطبع حاضرة في اذهاننا، لكننا نتواطأ على عدم الاعتراف بها او اخذها على محمل الجد، لا نريد ان نصدق باننا ندفع ثمن تجربة طويلة من الاستبداد والفساد والقهر، لا نريد ان نعترف باننا حولنا السياسة من وظيفة تدبير شؤون الناس ورعايتهم واصلاحهم الى وظيفة التنكيل بهم وتخريب مجتمعاتهم وتقويض قيمهم، واننا حولنا الدين من آية تسمو باخلاقنا الى رواية مختلف فيها وعليها، ومن مصدر للهداية الى خزان للعنف، ومن باعث على الامن والسعادة والسماحة الى دافع للقتل والشقاء والخراب.
باختصار، ما لم نتوافق على دحض كل الاساطير التي اسست لفشلنا وخيباتنا، او أوهمتنا باننا نسير في الاتجاه الصحيح، او جردتنا من انسانيتنا واورثت بعضنا غرائز التوحش، وما لم نتخلص من عقلية الخرافة ومنطق المؤامرة وشهوة السلطة المغشوشة، سنظل ندور في حلبة «الحروب» والصراعات، نتقاتل ونتبادل الاتهامات والضغائن وسندفع اجيالنا القادمة الى مواصلة الطريق على خطانا وتسديد فواتير عجزنا وفشلنا واصرارنا على الهروب من مواجهة الحقيقة وتعمد السير بعكس تجاه التاريخ..
تسألني عن هذه الاساطير التي اسست خيباتنا ؟ الجواب غدا ان شاء الله