4”” عناوين للرد على «رواية» داعش..؟!
اسهل ما يمكن ان نفعله هو ان نتدافع لهجاء داعش والتنديد بافعالها او لتحريك المعتدلين من علمائنا للرد على مقولاتها و دحض حججها الفقهية وتبييض صورة الاسلام من ممارساتها الشنيعة، او حتى الانضمام الى تحالف دولي يتولى قصفها وتدمير آلياتها العسكرية.
كل هذا مفهوم في سياق التعامل مع “بالون” داعش الذي انفجر في وجوهنا فجأة، لكن ثمة اسئلة اخرى صعبة لابد من مواجهتها والاجابة عليها, وهي لا تتعلق –فقط- بهوية هذا التنظيم والتربة التي خرج منها والظروف والمناخات التي شجعته واستولدته وقامت على رعايته قبل ان تنقلب عليه, وانما تتعلق ايضا بحقيقة “الخطر” الذي تمثله داعش, سواء على صعيد “التنظيم” او “الفكرة”.
حين ندقق في اوجه هذا الخطر , نجد ان داعش لا تختلف عن سواها من التنظيمات المتطرفة في العالم ، لكن ما يميزها انها جاءت في لحظة تاريخية فارقة بالنسبة لمنطقتنا على الاقل , وفي “بيئة” جغرافية مهمة بالنسبة للعالم, وتمكنت في مدة قصيرة نسبيا من التمدد والانتشار واثارة الرعب في المناطق التي استولت عليها, اضف لذلك انها استثمرت “الثغرات” التي وجدتها في الجسد العربي الاسلامي, وتسللت منها ثم اعتمدت عليها في انتاج خطاب زاوج بين التخويف والتأليف, او بين الطرد والجذب( خطاب ادارة التوحش).
اذا اردنا ان نبادر بالرد على “رواية” داعش , لابد ان نتوجه الى عناوين “الخطر” التي تمثلها , وهذا العناوين –بالمناسبة- هي ذاتها المرتكزات التي قامت عليها “الدولة الاسلامية” في سوريا والعراق, وحاولت من خلالها الحصول على “شرعية” لدى مؤيديها, ومن دعم وتأييد لدى الاخرين الذين تعاطفوا معها.
اول هذه العناوين : “الخلافة”, واعتقد انها كانت بمثابة “القنبلة” التي فجرتها داعش في وجوه الكثيرين, ليس –فقط- لان هذه الفكرة استعادت حضورها بعد 100 على سقوط اخر خلافة اسلامية, وانما ايضا لانها تدغدغ “ذاكرة” كل مسلم , و تثير عواطفه و حماسته, والخلافة فكرة “جاذبة” للذات المسلمة المجروحة سواء في سياقها التاريخي الذي يشكل “نمطا” مرغوبا ومثيرا للحنين , او في سياقها الراهن الذي تعاني فيه امتنا من واقع الشرذمة والتمزق, وبالتالي فان الرد على رواية “الخلافه” يجب ان يتجاوز اشكالية الموقف الفقهي ولاحقا الحركي الذي يرى ان “ الخلافه” هي الاطار السياسي المشروع والوحيد للدولة المسلمة, الى رد سياسي معاصر يتعلق بتقديم نموذج “الدولة” العادلة التي تستوعب اشواق ورغبات المسلم لرؤية الصورة العملية للاسلام الحقيقي التي تعكس موقفه من نظام الحكم ومن الحياة.
العنوان الثاني يتعلق “بالفراغ” الذي وجدته داعش وحاولت ان تملأه, وهو هنا يتعلق بمسارين: مسار افتقاد اهل السنة لمرجعية تمثلهم واطار يستوعبهم , ومسار انهيار الدولة في المناطق التي استولت عليها داعش وتمددت فيها , وما ولده من فراغ استغلته لبسط نفوذها ، والاجابة على سؤال هذا “الفراغ” تحتاج الى ردود حقيقية سواء على صعيد “المرجعية” السنية الغائبة و المفقودة اوعلى صعيد الدولة العربية التي انتهت صلاحيتها وتهدمت بنيتها واصبحت بحاجة الى انتاج جديد وفق رؤية تتناسب مع العصر ومستجداته.
العنوان الثالث يتعلق بتراجع دور الجيوش مقابل صعود دور التنظيمات المسلحة, وخاصة تلك التي تتخذ من الدين “غطاء” لها , ولعل بروز نجم “داعش” يدفع ايضا نحو فهم “لغز” ما حصل من انهيارات مفاجئة للجيش العراقي , كما ان ما حصل مع الحوثيين في اليمن يؤكد الحقيقة ذاتها , ومن واجبنا اليوم ان نلاحظ بان ما تمثله داعش من خطر جاء في هذا السياق الذي اندحرت فيه الجيوش واندثرت معه الحدود ايضا.
يبقى العنوان الرابع وهو يتعلق بتحديد العدو المشترك , فداعش مثلا ترى ان حربها موجهة ضد العدو”القريب” ممثلا بالروافض والنصيرية، فيما تعتقد ان الحرب عليها هي ضد “الاسلام” (اهل السنة تحديدا ) وهنا يتوجب علينا التدقيق في اولويات “العداء” والخصومة, لا لكي نرد على حجة “داعش” ونفندها وننزع منها ما تثيره من قابلية لدى المسلمين للتعاطف معها, وانما ايضا لكي لا تأخذنا اسئلة اللحظة واضطراراتها الى ترتيب اولوياتنا بشكل معكوس بحيث نتصور ان عدونا الذي كان مشتركا اصبح “حليفا” او انه تحول الى صديق.
باختصار, لابد ان ندقق جيدا في “العناوين” التي تعمدت داعش ان تصدمنا بها , وان نرد عليها بصورة جادة وعملية ، لا لكي ننتصر فقط في حربنا ضد التنظيم , وانما ايضا لكي نجنب شبابنا “اغراءات” الفكرة الداعشية التي تحاول ان تتغلغل في مجتمعاتنا بشكل او بآخر.