نصف مليون!
نصف مليون بني آدم، أحدهم تغنى بهم، والآخر يبدي قلقه، بل جزعه منهم!
الأول، تحدث عنهم كنقمة، والآخر كنعمة، وفي كنه المسألة، هم مغزى الصراع على نحو أو آخر!
الأول، ولول من اقتراب عدد الفلسطينيين في النقب، الذين يسميهم «البدو» من رقم نصف مليون إنسان، إنه وزير الزراعة الصهيوني يئير شمير، ففي جولة قام بها أخيرا في النقب، قال الوزير شمير ( وهو من الحزب المتطرف إسرائيل بيتنا- ستكون مقبرتهم) والذي يترأس اللجنة الوزارية لتسوية «الاستيطان» في النقب انه يجب معالجة ظاهرة تعدد الزوجات لدى البدو والعمل على تقليص معدل الولادة في هذا الوسط، شمير هذا، قلق من وتيرة النمو الديمغرافي في أوساط الفلسطينيين في النقب، إذ أنهم حسب التقديرات وبعد عشرين سنة(!) سيبلغ عددهم نحو نصف مليون نسمة، قائلا: «الدولة العمياء وحدها لا تلاحظ المشكلة»!!
الآخر، الذي تغنى بالرقم، شخص من نفس «عائلة» التطرف والإرهاب الصهيوني، وهو إلياكيم هعتسني، عضو الكنيست السابق عن حزب «هتحيا» اليميني، كان بالأمس كمن يرقص، في مقالة له نشرتها «يديعوت» حين قال: من حول فيلتنا (الفيلا وسط الغابة، حسب تعبير إيهود باراك!) يعربد «ربيع عربي»(لم ينس الربيع، رغم احتفال الثورة المضادة بالانتصار عليه!) ولكن بمعجز احتفظنا بالجولان وهو يفصل بيننا وبين الغابة.. وبين تجميد وتجميد (تجميد كاذب للاستيطان طبعا!) نقترب في السطر الأخير من شرق أوسط جديد حقا: نصف مليون يهودي في يهودا والسامرة، يعني الضفة الغربية لنهر الأردن!
وبين هذين، العنصريين، القاتلين، اللذين يولول احدهم من أعداد الفلسطينيين في النقب، حتى بعد عشرين سنة، فيما يرقص الآخر فرحا بوصول عدد المجرمين الذين استولوا على أراضي الضفة الغربية عنوة، يقف ثالثهم، ليعيد المشهد إلى صورته الأولى، يكتب حاييم شاين، يميني آخر، يلعن اليسار، في «إسرائيل اليوم» وهي صحيفة نتنياهو: يوجد في جامعة هارفرد أهم معهد في العالم لإدارة التفاوض. وفي أول درس يُبين المحاضر الرئيس أنه يوجد نوعان من الصراعات: صراعات تقوم على حقوق، وصراعات تقوم على مصالح، وحينما يكون الصراع على مصالح يمكن حله في التقريب بين وجهات النظر. أما الصراع على الحقوق فلا يجدي معه ذلك، الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، كما يعترف ثالثهم ويعرف، على حقوق. وفي مركز الصراع قضية هل لدولة اسرائيل حق في الوجود بصفة دولة يهودية. إن فلسطينيين صادقين لا ينافقون على يقين من أن اليهود لا حق لهم، وفي مقابلهم يزعم اسرائيليون راغبون في الحياة أن ليست لنا ارض أخرى وأن من حقهم أن يعيشوا في الوطن في أمن، ولا حل سياسيا لهذا الصراع، والمنتصر في الصراع سيكون الطرف الذي يملك قدرا أكبر من الصبر والتصميم وطول النفس والاستعداد لبذل المهجة لأجل الوجود، هكذا تبدو الصورة، بمنتهى الوضوح، وهو يختم، قائلا: سيكون سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين حينما يخلص الفلسطينيون إلى استنتاج أنه يجدر أن يغيروا القرص القديم المسحوق وأن يعترفوا بحقيقة أن لا أمل لهم في الصراع على حقوق لأن اليهود لا خيار لهم – ولهذا يفضل التباحث في نوع حياتهم، وهذا، والكلام لي ولملايين غيري، لن يكون، فلدى اليهود أرض أخرى جاءوا منها، وللمفارقة هنا، يعترف هعتسني، ثانيهم، قائلا في نهاية مقاله إياه: «جئت إلى العالم في مدينة كيل في ألمانيا. تعلمت في ثانوية نازية» فلتعد إليها، حيث ولدت، لأن الفلسطيني، لا اليهودي، ليس له وطن إلا فلسطين!