ما الذي سيحدث…؟
في إسرائيل، يحتفل الإعلام بـ «النصر» في معركة «الجرف الصامد» كما سموه، لكن هذا الجرف لم يصمد، بل أوقف الجيش الإسرائيلي كله على شفا جرف هار، قليلون منهم من يعترفون بهذا، إنهم يذكرونني بإعلام العرب عقب حرب الأيام الستة، حينما حول إعلام أحمد سعيد الهزيمة المنكرة إلى نصر مؤزر، لأن «العدوان» لم يستطع أن يطيح بالقيادة القومية للأمة!
بوسعك أن ترصد عشرات المقاولات والتصريحات التي «تعترف» بهزيمة إسرائيل، لكنهم في المستوى السياسي، لا يعترفون، ولا يريدون أن يعترفوا، ولهذا فهم غير مستعدين – حتى اللحظة – لمنح المقاومة أي مكسب حقيقي على الأرض، يساندهم في ذلك موقف عربي ضاغط، لمنع المقاومة من الشعور بالنصر، ذلك أن مثل هذا الشعور، يشكل خطرا داهما على النظام العربي بأكمله، وفي التقدير الاستراتيجي، قد يهدد «السلم الأهلي» العربي، وهو تعبير فضفاض يُقصد به «استقرار» الأنظمة، لا الشعوب، فالشعوب الآن تعيش في ذروة إحساسها بكرامة وكبرياء افتقدتهما منذ زمن بعيد، وأي تنام لهذه المشاعر يشكل خطرا على هذا «السلم الأهلي»!
تأمل إسرائيل أن تكسر أنف المقاومة، وتأتيها مهرولة، رافعة الراية البيضاء، وهو أمر لن يحدث أبدا، ما يعني أننا أمام حالة استعصاء لا يبدو ان لها أفقا قريبا، وعلى الجانب الآخر، تقف المقاومة بصمود مستغرب من اسرائيل وحلفائها، وجلهم بل كلهم يتساءلون: على ماذا تعتمد في صمودها،؟ وإلى متى؟ والرهان هنا على فك ارتباط جماهير غزة بالمقاومة، وإحداث نوع من الشرخ بين الشارع الغزي وبين المقاتلين، وحتى الآن، لا يبدو أن ثمة ما يشي بمثل هذا، بل تقول تقارير إن مطالب الشارع تفوق مطالب المقاومة، والناس مستعدون لإكمال المشوار حتى النهاية، فإما موت، وإما نصر، أو على الأقل بعض نصر، وهذا البعض ليس أقل من فك الحصار، بميناء بمعابر أو بمطار، ليس يهم، المهم أن لا يعود الناس إلى تلك المعاناة التي سبقت الحرب!
السيناريوهات التي ترسم صورة المستقبل القريب متعددة، وربما متناقضة ايضا، فإسرائيل ستتمسك بموقفها، وكذا المقاومة، وما سيغير هذه المعادلة دخول أطراف أخرى لها تأثير على كلا الطرفين، بحيث تستطيع اجتراح حل وسطي، يستطيع الإسرائيليون الزعم معه أن المقاومة لم تنتصر، وتستطيع المقاومة أن تقول لشعبها الذي قدم كل هذه التضحيات، أن تضحياته لم تذهب هدرا، وتلك معادلة تستدعي قدرا من الحلول الغامضة، التي اعتدنا عليها في منطقتنا، في ظل اختلال هائل في توازن القوى، بين المقاومة، وبين العدو الصهيوني، هذه المقاومة العزولة رسميا، والمدعومة شعبيا، وذلك العدو المُحتضن دوليا، وعربيا، وبين هذا السيناريو وذاك، ثمة متسع لمفاجآت، ربما تأتي من قبل المقاومة، التي عودتنا على قدرتها على اجتراح ما يشبه المعجزات، في ظل وضع عربي عام شبه منهار، يعبر عنه اجتماع الجامعة العربية «الطارىء!» على مستوى المندوبين، بعد 35 يومًا من العدوان على غزة!
خارج النص:
الرئيس الامريكي ثيودور روزفلت قال يوما، ان وصفة إحراز الامن هي: «تحدث بلين واحمل معك عصا كبيرة». يبدو أن المقاومة الفلسطينية، حققت المعادلة أخيرا، أما «طلاب السلام» الذليل، فلم يجرّوا علينا غير مزيد من الذل والهوان!