0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
previous arrow
next arrow

إلى الشيخ معاذ الخطيب

لا يحظى الشيخ أحمد معاذ الخطيب بتأييد واسع داخل الائتلاف الوطني السوري، فتيار “الصقور” المكوّن أصلاً من “الجناح الحموي” في جماعة الإخوان المسلمين وبعض حلفائهم، يحظى بغالبية مريحة داخل أطر الائتلاف، وهذا ما حرصت قطر وتركيا والسعودية، على تأمينه عند تشكيل الائتلاف كبديل عن المجلس الوطني، بعد تلقي الأخير طعنات نجلاء في ظهره من قبل واشنطن في الثلث الآخر من العام الفائت.

لكن أحداً ليس بمقدوره أن يتجاهل عناصر القوة وأوراقها الضاغطة التي ما زال الرجل يتوفر عليها، فهو بخلاف “تيار الصقور”، بات محور السياسة الدولية وحديث المجتمع الدولي، وحول مبادرته الحوارية التي دعمها الأمين العام للأمم المتحدة، يتبلور اليوم التوافق الروسي- الأمريكي، وإن بخطى وئيدة، فضلاً عن تأييد قوى معارضة سورية وعددٍ من الشخصيات الوازنة في الائتلاف، للشيخ وتوجهاته السياسية.

وثمة أطراف عربية وإقليمية، خارج إطار محور قطر- السعودية- تركيا، ترى في مبادرة الخطيب، خروجاً لها من المأزق السوري، بقدر ما ترى فيها خروجاً بسوريا من مأزقها الوطني العام، فالعالم لا يبدأ ولا ينتهي بـ”المحور الثلاثي” إياه، والفضاء الدولي والإقليمي أوسع من أن يُحشر في هذا المثلث الضيق للغاية، ولهذا لا أحسب أن الشيخ صار عديم الحيلة، ليرفع راياته البيضاء قبل أن يخوض معركة البحث عن خيارٍ سياسي يُبقي سوريا، ولا يسمح بـ”إخفائها” على حد تعبيره.

ولا شك أن الشيخ الخطيب، يدرك تمام الإدراك، أن هناك من قوى المعارضة، من خارج الائتلاف، من يدعم توجهاته ومواقفه، وهؤلاء في مطلق الأحوال، يمكن أن يكونوا “مشاريع حلفاء” للشيخ والتيار الذي يمثله في رحلة البحث عن “حل سياسي” لأزمة سوريا الوطنية العامة، هيئة التنسيق والمنبر الديمقراطي وتيار بناء الدولة وعشرات الشخصيات والمجاميع والتنسيقيات والحراكات، أيدت المبادرة الحوارية، حتى أن بعض أجنحة النظام، بدأت ترى فيها بارقة الأمل وطريق الخلاص.

الذين أغضبتهم مبادرة الخطيب تحديداً هم “الإخوان المسلمون” وبعض حلفائهم من بقايا “إعلان دمشق” وبعض الرموز والشخصيات المرتبطة بدول “المحور الثلاثي” (السلفيون أخرجوا أنفسهم من اللعبة السياسية أصلاً)، هؤلاء نجحوا في “هندسة” ردود متعددة المحاور على المبادرة والمبادر، على المبادرة بتصعيد القتال بلا هوادة في مناطق الشمال والشمال الشرقي ومحيط دمشق، وبشكل غير مسبوق، يشف عن تدفق السلاح (بما فيه النوعي) والمقاتلين بغزارة إلى الداخل السوري، لاستعجال الحسم العسكري، وقطع الطريق على الحوار والتفاوض و”الحل السياسي”، وثمة ما يؤكد أن النجاحات الميدانية لجبهة النصرة وحلفائها من أحرار الشام ولواء التوحيد، وكتائب الجيش السوري الحر، ما لم تكن لتتسارع على هذا النحو، لولا دفق المال والسلاح الأخير والذي جاء على عجل، مُنعشاً قدارتهم الهجومية، ومكن وحداتهم المقاتلة من تحقيق تقدم ملموس، خصوصاً في “معركة المطارات” في حلب ومحيطها.

أما المسار الثاني الذي اتبعه هؤلاء، فتجلى في محاولة محاصرة الشيخ الخطيب داخل بيته، أولاً عبر إمطار مبادرته بوابل من الانتقادات والاتهامات والتشكيك، وثانياً من خلال إثقالها بجملة من الشروط الكفيلة بإصابتها بإعاقة مزمنة، وتحويلها إلى جثة هامدة حتى قبل أن ترى النور، وهذا ما حصل في الاجتماع الأخيرة لهيئة الائتلاف السياسية في القاهرة، وما صدر عنه من شروط وتحديدات، تجعل من المبادرة “صك إذعان” للنظام، يتعين توقيعه قبل الجلوس إلى مائدة الحوار/ التفاوض.

صقور الائتلاف، لديهم أسبابهم في رفض الحل السياسي، وهي تكاد تنحصر في سببين رئيسين، الأول، وخاص بالإخوان، الذين يخشون “تقزيم” دورهم في سوريا ما بعد الأسد، إن جاء التغيير عبر الحوار والحلول السياسية، وليس بالحسم العسكري الذي يكفل وحده، للإخوان موقعاً متقدماً في النظام الجديد، والثاني، متعلق بوطأة المال السياسي والارتباطات الأمنية التي تشل قدرة بعض المعارضة على اتخاذ موقف وقرار مستقلين عن عواصم “المحور الثلاثي”، لكن رغم ذلك، يدرك هؤلاء أتم الإدارك، تماماً مثلما يدرك رعاتهم وداعموهم، أن اتجاهات الريح الدولية، لا تهب بما تشتهي أشرعتهم، بل وتميل لـ”تعويم” الشيخ الخطيب ومبادرته، لذلك رأينهم يعمدون إلى محاصرة الخطيب وليس إلى إسقاطه، حرصاً منهم على تفادي العزلة والانكشاف وترك “الميدان لحديدان”.

الأزمة السورية تشهد الآن، سباقاً محموماً على عدة مسارات، المسار الأول، هو السباق المحموم بين تيارات المعارضة الصقرية والحمائمية، إذ كلما ارتفعت فرص التوافق الروسي- الأمريكي (وهي ترتفع)، سترتفع وتيرة الخلافات داخل المعارضة، ولكن لصالح تيار الحل السياسي الذي يمثله الخطيب، والمسار الثاني بين اللاعبين الإقليميين والدوليين، إذ كلما ارتفعت بورصة الحوار والتفاوض، صعدت دول “المحور الثلاثي” من عمليات حلفائها على الأرض، و”زخّمت” فعاليات “المسار العسكري”، الذي به وحده، يمكن قطع الطريق على “المسار السياسي”.

الخلاصة أن الشيخ الخطيب، وهو يبحر وسط هذه اللّجة متلاطمة الأمواج، لديه من الأوراق ما يمكنه من أن يضرب بعصاه على مائدة الائتلاف وبعض العواصم الإقليمية، ولديه من الحلفاء السوريين، من بمقدروهم أن يشكلوا بدائل منطقية في حال “ركب الصقور رؤوسهم الحامية”، ولديه من المؤيدين إقليمياً ودولياً ما يفوق ما لدى خصومه ومجادليه، وعليه أن يشرع باستخدام كل هذه الأوراق، ودفعة واحدة، بدءا من اعادة ترتيب بيت المعارضة السورية الداخلي، عبر تفعيل مبادرة “القاهرة 2” التي دعت لها هيئة التنسيق والمنبر الديمقراطي وغيرهما، وكلما أسرع في فعل ذلك، كان ذلك أفضل من منظور المصلحة السورية، ولغايات التفرغ لمقارعة النظام الذي قرر على ما يبدو التعامل مع مبادرة الخطيب بوصفها أشد خطراً عليه وعلى مستقبله، من صعود “جبهة النصرة” و”معارك المطارات” في حلب.