كورونا تدق أبواب الشتاء
الدكتور: رشيد عبّاس
المشهد العالمي.. علماء جائزة نوبل في الصحة العالمية حتى اللحظة حائرون, الدول العظمى بعظمتها وهيبتها وجبروتها منكسرة الخاطر, الإحصاء الرقمي لا معنى له اليوم وسقط منهزما, الأرقام في اللغة الكورونية خالية من حروف العطف, رقصة كورونا بـ(طعجاتها) الجديدة مرعبة ومخيفة للكبار والصغار, أشرطة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد لقصار السور مفقودة من الأسواق, بدع بيوت العزاء انطفأت أنوارها وتوقفت فيها سواليف الغيبة والنميمة, كمامات خاصة لملكات جمال العالم تباع بأسعار خيالية في باريس, لتر حليب الناقة في الصحراء العربية أغلى من برميل النفط, الصلاة في البيوت لا تقام في موعدها ويحذفُ المنافقون منها ركعات السنة, الكتب المدرسية تخلوا صفحاتها من درس حول فيروس كورونا المستجد, عقود الزواج في ساحل العاج تشترط التباعد بين الخطيبين في فترة الخطوبة, وأخيرا ربما نحتل فلسطين في هذا الشتاء القادم وننتصر على اليهود بـ(العطاس) العربي القاتل ..أتش, إلى التفاصيل.
السؤال, كيف سنواجه شتاء هذا العام؟..هل سنواجه شتاء هذا العام بأقراص الـ(ريفانين), أم بشراب الـ(توسيفان), أم بكبت وإخفاء العطاس والكحة المصحوبة بالبلغم, أم بالكمادات الباردة ليلا, ام بمنقوع (ميرمية) الحجة ثريا, أم بـ(بطانية) هنغاريا المجوز, أم بأدعية ورسائل دينية محولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي مليئة بالبدع والأخطاء الدينية ينشرها بعض المنافقين الديوثين الذين يطربوا للأغاني الثورية حتى لو كانت لمطربات سافرات, نعم كيف سنواجه شتاء هذا العام مع تزامن جائحة نسب الانتشار فيها متذبذبة ولم يسيطر عليها العالم كل العلم حتى اللحظة, وما زالت منحنياتها مسطّحة تارة, ومحدّبة تارة أخرى.
نحن أمام نزلات برد وإنفلونزا والتهاب جيوب أنفية مقلقة وعنيفة ومثيرة للجدل في شتاء هذا العام, وعلينا أن نتعلم كيف ومتى وأين نعطس, وعلينا أن نتعلم كيف ومتى وأين نكح, وعلينا أيضا أن نتعلم كيف ومتى وأين نتثاءب,..شتاء هذا العام يتطلب الحذر الشديدة مع العمليات الفسيولوجية التي تحتاجها أجسامنا كالعطس والكح والتثاؤب في جميع الأماكن التي نتواجد فيها, سواء كان ذلك داخل البيوت أو خارجها, وسواء كان ذلك في العمل أو خارجه, فثقافتنا في كيف نمارسها العطس والكح والتثاؤب تقع على عاتق كل من الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام, مع يقيني التام أن هذه الجهات الثلاث معطلة تماما في هذا المجال وغيرها من مجالات الحياة اللازمة لكل فرد منا.
شتاء هذا العام ومع تزامن فيروس كورونا يتطلب (تباعد اجتماعي) من نوع معين, وتبقى القضية في إدراكنا لمفهوم التباعد الاجتماعي, فكثير منا لا يدرك طرق وآليات التباعد الاجتماعي, حيث يعتقد البعض للأسف الشديد ان التباعد الاجتماعي غير ضروري لدى أفراد الأسرة الواحدة, والبعض الآخر يعتقد أن التباعد الاجتماعي غير ضروري لدى أفراد العائلة والعشيرة الواحدة, وهناك من يعتقد ان التباعد الاجتماعي غير ضروري عند تواجد الزملاء والأصحاب والأصدقاء معا, وهذا جهل مطبق.. فيروس كورونا أو غيره من الفيروسات لا تتوقف عند الزملاء والأصحاب والأصدقاء, ثم إن الفيروسات بشكل عام لا تعرف حدود للأسرة ولا حدود للعائلة ولا حتى حدود للعشيرة.
شتاء هذا العام ومع تزامن فيروس كورونا يضع أدوار جديدة ومهمة لكل من الأسرة والمدرسة والمعهد والجامعة والمسجد والصالة والمجلس.. من أجل الخروج بهذه الظروف الصعبة والدقيقة بأقل الخسائر المادية والمعنوية, فدرجات الحرارة المنخفضة تشكل بيئة ومناخ ملائم لجميع أنواع الفيروسات, حيث تنشط فيها تلك الفيروسات وتنتقل بطريقة أسرع وأخطر كما لو كان الحال في البيئات والمناخات ذات درجات الحرارة العالية.
ويبقى السؤال عالقا, كيف سنواجه كورونا ونحن على أبواب فصل الشتاء؟ اعتقد أننا لا نملك هنا إلا إجابات محددة وواضحة تتعلق أولا بالعطس والكح والتثاؤب الصحيح, ثم بالتباعد الاجتماعي المتمثل في التباعد الأسري والعائلي والعشائري ثانيا, والابتعاد عن الزملاء والأصحاب والأصدقاء ما أمكن ذلك ثالثا, مع ضرورة استخدام الكمامات والكفوف في جميع الحالات سابقة الذكر مع عدم الانزعاج منها.
وبعد, قد يُوَفِّر لنا فصل الشتاء القادم فرصة للتباعد الاجتماعي وللحجر الطبيعي نتيجة لانخفاض درجات الحرارة والمكوث في البيوت قصرا, إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا..