هكذا يخططون وينفذون!
في ظل غياب شبه كامل، للطرف الآخر، يفكر الإسرائيليون في فضاء حر ومفتوح لمستقبلهم، ويضعون السيناريوهات التي تروق لهم، وكأنهم وحدهم هم الموجودون، وما على «الآخرين» إلا أن يستسلموا لمخططاتهم، والأمر ليس معقدا كثيرا، فلا شيء يحد من مخططاتهم للمستقبل، إلا وجود «كتل» سكانية، يحارون بما يفعلون بهم!
لدي اليوم عينتان من هذا التفكير «الحر» يتعلق بمستقبل المسجد الأقصى، ومستقبل «سكان يهودا والسامرة» وغزة، على حد تعبيرهم!
في العينة الأولى يكتب نداف شرغاي، الذي يقول أنه مشغول بـ «جبل الهيكل» منذ ثلاثين عاما، في صحيفة «اسرائيل اليوم» مقالا يخلص فيه إلى النتيجة التالية: إن الذي يريد اليوم تحقيق حق اليهود في الصلاة في الجبل محق تماما لكنه محلق في السحاب أيضا لأن هذا الحليب قد سُكب من قبل. فيجب الآن الصعود درجة بعد درجة وألا نقفز عشرين درجة دفعة واحدة. فمن الصحيح الآن أن نحصر العناية في أكثر الأشياء أساسية وإلحاحا أعني إعادة حرية الوصول والحركة غير المحدودة لليهود من العلمانيين والمتدينين على السواء إلى أقدس أماكنهم. ويوجد ما يكفي من الوسائل لتحقيق ذلك» ويخلص للنتيجة النهائية: يجب أن يعلم المسلمون أن أبواب الجبل يمكن أن تغلق في وجوههم أيضا. ويجب أن تسمع الأوقاف الإسلامية أنها قد تُسلب صلاحياتها ويجب إبعاد التيار الشمالي من الحركة الإسلامية الذي تتضح صلته بحماس، من هناك! أما فيما يخص «طرفهم» هم، فيتوجه إليهم بالقول: على حركة جبل الهيكل اليهودية أن تدرك أن الإصرار على تحقيق حق الصلاة الآن فضلا عن أنه غير قابل للاحراز الآن، سيضر أيضا بإحراز الهدف الذي هو أكثر تواضعا وأولوية، أعني إعادة حرية وصول اليهود جميعا وتنقلهم في جبل الهيكل!
هذا هو إذن، الطريق الذي يسلكونه اليوم، لإكمال رؤية المستقبل، وهي تتحرك في فضاء مفتوح، لا شريك لهم فيه!
العينة الثانية، تطرح رؤية جديدة لمستقبل فلسطين التاريخية، الكاتب شاؤول بيبي يكتب في هارتس، بعنوان «زمن عمان» مقالا يخلص فيه إلى ضرورة تقاسم السيادة في «البلاد» ضمن إطار الدول الثلاثة: إسرائيل، فلسطين والأردن، ما دام متعذرا تقاسم الأرض الآن، ليس بسبب القوة التي يتمتع بها «الطرف الآخر» بل بسبب وجودهم الفيزيائي ككتل بشرية، ويرسم بمنتهى الراحة سيناريو المستقبل: لليهود حق في الاستيطان في كل مكان من أرجاء البلاد؛ معظم الدولة الفلسطينية تقع على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة؛ والحفاظ على احتياجات واستقرار المملكة الأردنية الهاشمية. إضافة إلى ذلك، عدد صغير من اللاجئين الفلسطينيين يتمكنون من السكن في إسرائيل، والسيطرة في البلدة القديمة في القدس تستند إلى احتياجات دينية وتعرض حق وصول حر وآمن إلى مواقع العبادة!
هذا هو، حل لم يُقنعهم بعد، رغم ما فيه، لذا يعمد بيبي إلى «إقناعهم» بجدواه، فيقول، مخاطبا «أبناء شعبه، أصحاب الوعد» على حد تعبيره: لا يمكن تقسيم بلاد إسرائيل! («إذ لي البلاد»). يمكن تقاسم السيادة عليها، ويمكن النظر في اتفاق بين الدول الثلاثة على مدى 25 سنة، في نهايته تقرر كيف تتواصل (حدود دائمة)…على الفلسطينيين والعرب أن يستوعبوا حقيقة أن علاقة شعب إسرائيل بوطنه بعيدة السنين وأقوى من كل كوشان.
وماذا على الإسرائيليين؟ فقط عليهم ان يمضوا فيما يفعلونه على الأرض، لأنه ليس لديهم شريك حقيقي كما يقولون، لصناعة «مستقبل البلاد»! فليخططوا هم، ولينفذوا هم أيضا، وفق خطط قريبة وبعيدة المدى، تماما كما هو شأنهم مع التخطيط لمستقبل الأقصى!