تراجيديا عربية والجمهور ما زال يتفرج..!!
حين نقرأ ما يجري في عالمنا العربي بحساب أعمارنا القصيرة، أو مقياس الزمن الخاص بنا كأفراد نصاب بالخيبة والمرارة، فليس معقولاً أبداً ان ننام على ثورة ثم نصحو على انقلاب،أو أن نستنشق الحرية صباحاً ثم نختنق في السجون مساءً،أو نودع عصر الصناديق المغشوشة ثم تصدمنا مشاهد “التزوير” مرّة اخرى، او تقتلنا “البراميل” المتفجرة في مولد اجراء الانتخابات.
لكن حين نقرأ المشهد بعيون المؤرخ أو بحسابات “ساعة” الأمم والمجتمعات التي تتحرك ببطء شديد، وتدور على ايقاع ثقيل وممل ،ندرك تماما ان ما جرى كان طبيعياً، لكنه مجرد حلقة في مسلسل بدأ ولم ينته بعد،صحيح أن حلقاته الاولى التي تابعناها توزعت بين التراجيديا والكوميديا،أو بين المباخر والمساخر،لكن الصحيح ايضاً ان جميع من “لعبوا” الادوار،ابطالاً أكانوا ام كومبرساً،ادّوا ادوارهم وربما يتبادلونها مع غيرهم لاحقا ، لكن ثمّة جهتان ماتزالان تمسكان بخيوط المسرح،احداهما :المخرج الذي لا نعرف حتى الآن من هو، وماذا يريد وفيما إذا كان سينجح أم سيفشل في العمل،والجهة الاخرى “الجمهور” هذا الذي ما زال يتابع،بعضه يصفق والاخر ينتقد ويحتج ،لكنه منذ ان كتب النص الاول للعمل الذي كان يحلم به لم يتدخل كما يجب..ربما انتظارا للحظة الاخيرة،هذه التي لا يعرف أحد متى ستأتي او كيف ستكون.
حين تدقق في النصّ الذي كتبته “الشعوب” العربية قبل ثلاث سنوات،تكتشف مسألتين:احداهما أن ما ورد فيه كان عناوين عريضة فقط،او ربما مجموعة من الاحلام والرغبات، وأن ميزته الوحيدة انه “ألغى” ما قبله وبدأ على صفحة تبدو بيضاء، والمسألة الاخرى ان ثمة من “التقط” هذا النص على الفور وبدأ يضع له ما يريد من “سناريوهات”،وهنا ربما تعدد المخرجون والسيناريست لكنهم كما يبدو متفقون على “النسخة” المعتمدة وعلى النهاية أيضاً.
لا يهم هنا من هو المخرج ، ولا من يقف وراء الكاميرا، ولا اسماء “الممثلين”،كما لا يهمّ تفاصيل “الحبكات” الاخراجيّة، والتكتيكات الفنية، وردود فعل المتفرجين والدعم اللوجستي..الخ، المهم هو النتيجة التي يريد المخرج ان نصل اليها…والهدف الذي يسعى لاقناعنا –او ابهارنا- به.
بعيداً عن “الفن” ثمة اهداف كانت مبيتة منذ الحلقة الاولى لبداية “مسلسل” الربيع العربي،لكن بعض ملامحها اصبحت واضحة الآن،منها معاقبة الشعوب العربية على “تمردها” واعادتها الى بيت الطاعة،ومنها اقصاء الدين تماماً من وظيفته السياسية واقالته من العمل العام ثم تمييع صورته واحالته الى المجال الروحاني فقط،ومنها تقسيم العالم العربي الى مناطق نفوذ تابعة في الدائرة الاولى للاجنبي وفي الدوائر الصغرى للوكلاء الاقليميين،ومنها طمس مفهوم الدولة واشغال المجتمعات وانهاكها بصراعات الهوية وفزاعات الطائفة وهموم “العيش” ودوامة العنف،ومنها تعميم فوضى السلطة وصراعاتها على عالمنا العربي وتحويل “الصناديق” التي انتجت الفساد والاستبداد فيما مضى الى “براميل” متفجرة ليظل الانسان العربي أمام خيارين احدهما : “الطاعة” والآخر :”الشهادة” ،أما حلمه في الحرية والعدالة والكرامة فقد انتهى الى كابوس…ومنها ابقاء “ازمة” العرب مفتوحة بحيث تظل مشلولة تماما عن التفكير أو الابداع،لا بالتنمية ولا بالتقدم ولا بالنهضة..باعتبار أن هذه كلها مجرد أوهام لا علاقة لأمتنا بها.
كل ما نراه ونسمعه يحدث في عالمنا العربي من تفاصيل يندرج بشكل او بآخر تحت هذه “العناوين”..،وهو مجرد حلقات يعتقد من “اخرجها” انه سيكتب نهايتها كما يريد،فيما يعتقد آخرون أن الوحيد الذي يستطيع أن يضع هذه النهاية ويسدل الستار على “المسرحية” هو الذي كتب نصها الاول،أقصد “الشعوب” التي خرجت من قمقم خوفها وترددها وقررت في لحظة مفاجئة أن تهدم “المعبد” على من كان فيه.
الآن، بدأ المشهد يتغير،وإن كان ببطء ،فقد تفاجأت الشعوب بأن بعض من كان داخل “المعبد” خرج من تحت الانقاض، كما اكتشفت بأنها استعجلت في الخروج من المشهد بعد الهدم ولم تتابع مهمة الاشراف على البناء، وبأنها تعاملت مع الحدث ببراءة ولم تتصور أن ما فعلته كان زلزالاً ايقظ كل العفاريت من حولها…لكنها رغم كل ذلك لم تستسلم، صحيح ان الضربات التي تلقتها كانت قوية ومؤثرة، لكن الصحيح ايضاً ان لديها “عبقرية” خاصة تمكنها من الصمود والدفاع ومعاودة الهجوم…لا يهمّ كيف ومتى ؟ولكن المهم انها ما زالت حيّة تبعث رسائلنا في كل اتجاه..وتذكر الجميع بأنها لم تمت…وان تصور البعض انه اشهر نعيها على الملأ…