دعوة جادة للحب!
كتبت على «تويتر» تغريدة تقول: بعض العشاق في أساطير الحب، يغسلون قدمي الحبيبة بماء الورد، ويحفظون الماء في زق خاص، كي يبللوا شفاههم منه حين يظمؤون!
فرد علي أحد الأصدقاء بتغريدة أخرى تقول: سامحك الله أخ حلمي على هذه التغريدة، هذا لا يليق بالسياق الذي تمر به أمتنا، رغم حبنا للحياة والحب! واعلم أن ذلك عتاب المُحب!
مقبول عتابك أيها الطيب.. ولكن دعني أقول لك إنني لم أخرج عن قواعد اللياقة والأدب، وما تقول انه «السياق الذي تمر به أمتنا» هو نتاج لما يفعله بالسقط من أبنائها، الذين يجتهدون في تمزيقها وذهاب ريحها، والتآمر مع أعدائها وإنهاكها، وديمومة عبوديتها للظلمة والقتلة والمجرمين، لم تزل تعيش هذا «السياق» منذ خلقتْ، وما قبل خلقي وخلقك، ولا ندري متى يتوب الله علينا من هؤلاء،
ومتى تتحرر منهم ومن تبعات أعمالهم القبيحة، هذا يعني يا صديقي أن نبقى أسارى ما يريدون أن يسجنونا به من قمقم العذاب، وإهدار الحياة، والتوقف عن الوفاء لمحبوباتنا، فيما هم ينعمون بشقائنا، ويتقلبون في نعيم إفقارنا، واستسلامنا لحالة استنزاف وإنهاك، تجعلنا غير قادرين على مقاومة مخططاتهم اللئيمة!
الحب يا صديقي ليس مناهضا للوطنية والشرف والأخلاق الرفيعة، ولا هو مدعاة للاستسلام لمشيئة من يريد أن يقتلنا أحياء، فلا ننام إلا على بكاء، ولا نصحو إلا على ندب، وما بينهما نجلس في القرنة نمزق أنفسنا حزنا ونموت كمدا على ما تعيشه أمتنا من سياقات كارثية..
الحب يا صديقي مقاومة للموات والقبح الذي يريدون أن يدفنونا به أحياء، هو مصدر من مصادر الطاقة البديلة والمستدامة، إذ ترتفع أسعار الطاقة الأحفورية غير المتجددة، التي ربطوا مستوى حياتنا بها، فكأنها الحبل الذي يحيط برقابنا، يشتد حينا، ويشتد أكثر حينا آخر، ولا أقول يرتخي، فلا ارتخاء من بعد، بل مزيد من الشد بلا نهاية، أملا في إخراج الروح إلى بارئها، وهي ذاهلة عما يجري حولها، زاهدة فيما تشتمل عليه الحياة من لذاذات شريفة، كي يستمتعوا بها هم وحدهم!
الحب، يا صديقي العزيز، علامة من علامات الرفض، والنأي عن الامتثال لمشيئاتهم الخبيثة، كي نبقى منشغلين بهمومنا فلا نعي ما يدور حولنا من إحكام لحالة حصار الفرح، ومصادرة الراحة، ومساءلة كل من يسقط عاشقا في حب من يحب، لأنهم يفضلون ان نعيش حالة الكراهية، والبغضاء والمشاحنة، لأن من يحب يرى الأشياء بصورة مختلفة، ويشعر أن الحياة تستحق أن تُعاش، وأن تتحسن ظروف عيشها، وهو في سبيل ذلك مستعد للدفاع عن «مكتسباته» فلا يسمح لأحد بمصادرة فرحته، وهنا مكمن الخطر، وهنا تحديدا يصبح الحب خطرا على أمنهم، ويتعاملون معه باعتباره «سلعة» ملاحقة قانونيا، شأنها شان المخدرات والسلاح الفتاك، الحب يا صديقي، يجلو الخلق ويهذب النفس، وهم يريدوننا وحوشا ننهش لحم بعضنا البعض، ونلهوا عنهم بتعذيب أنفسنا، والبطش بكل من يفكر أن يحب، تارة باسم الدين، وتارة باسم الحفاظ على الأخلاق و»قيم المجتمع!» وأخرى بحجة الحفاظ على «الحياء العام!» من أن يخدش، وهل ثمة قيم للمجتمع، وخدش لحيائه أكثر من مصادرة كرامته، وقهره برغيف خبزه، واستعباده بوظيفة هي أشبه بما يقوم به حمار الساقية؟ هل ثمة إهانة أكثر من أن تُسلب الكبرياء والرغيف، إلا ان يكون مغمسا بتراب الذل وماء الوجه؟
هذه دعوة مفتوحة وجادة للحب، وللحياة، ومقاومة السواد والكراهية، والتصدي لمن جعل سياقات هذه الأمة، سلسلة من الهزائم والنكسات والنكبات، فسلبها حياتها، والحب يا صديقي إعلان حرب على كل هذه البشاعات التي يريدون أن يغرقونا بها، وطنيا وقوميا وإنسانيا!!