ثـورات تـلــد جــنــرالات !!
تكتشف الشعوب العربية بعد ثلاث سنوات من ( قيامتها) أنها دخلت الى
(الفخ) بقدميها، ليس هذا فقط، وانما تكتشف ايضا بأن من مدّ لها يد المساعدة كان هو نفسه الذي نصب لها ( المصيدة)، وحين اطمأن تماما بأنها وقعت فيها، انقلب عليها ، وأصبح يعاقبها على ما فعلته، ويقتص منها جزاء ما اقترفته، لدرجة أن البعض تمنى لو ان عقارب الساعة عادت للوراء.
للأسف ، هذا ما حدث بعد الجولة الأولى من ( انتفاضة ) الشعوب العربية، ذلك ان الأنظمة التي توهمنا انها سقطت لم تسقط فعلا، وانما تقاسمت ادوار السقوط، ضحت ببعض رؤوسها وأوكلت مهمة ( الالتفاف) ومعاودة الهجوم لرؤوس اخرى، وسواء أكانت هذه الرؤوس هي من داخل النظام نفسه أو من المتورطين معه و المستفيدين منه أو من الخارج، فإنها أدت دورها كما يجب ، حيث امتصت الصدمة وتعايشت معها، ثم تقربت الى الجماهير لتخدعها بالصناديق ، واشغلت خصومها واستنفدت طاقاتهم بالسلطة، وحين جاءت لحظة ( الانقضاض) توجهت الى الميادين التي انطلقت منها الثورات لتعيد اخراج المشهد من جديد… حيث تحول الذين كانوا يهتفون لاسقاطها بالامس الى مطالبين متحمسين لإعادتها الى المنصة ، وفي مشهد درامي تم اختطاف الشرعية والتصرف بها، كما تم اعادة ( الممثلين) انفسهم الى حلبة المسرح ، وبقي الشعب يتفرج : بعضه داسته اقدام الشرعية الجديدة واخرون مضوا الى السجون او الى بيوتهم خائبين.
حين ندقق في المشهد الآن نجد أن ماحدث لم يكن ثورة ، وانما مجرد انتفاضات شعبية قام بها جمهور ادركه الاحباط فانفجر، ثم ان النظام الذي تفاجأ بما جرى لم يستسلم على الفور، وانما فشل في عملية ( المواجهة) فانسحب قليلا الى الوراء ، لكنه لم يتنازل عن مواقفه ولم يخرج من خنادقه وان تظاهر بذلك ، ثم انه بدأ على الفور ( بوضع) خططه وتجميع فلوله استعدادا للجولة الأخرى، ولم يكن وحيدا – بالطبع- فقد تحالف معه كل الذين فاجأهم الحدث او هدد مصالحهم او أثار مخاوفهم، و بالتالي اكتملت الجبهة ، وبدأت خطوات ( الاجهاض) الى ان دقت ساعة الانقلاب.
لم يكن صدفة – بالطبع – أن الثورات في ثلاث دول على الاقل هي ليبيا ومصر وسوريا تزامنت قيامتها مع لحظة اجهاضها، وإن اختلفت في بعض التفاصيل،فقبل نحو ثلاث سنوات انفجرت الشعوب هنالك ، وفي هذا العام تحديداً تمخضت الثورات فولدت “جنرالات”، لم تكن الشعوب تتصور ان “الصنايق” التي استبشرت بها كطريق للحرية والعدالة والكرامة، يمكن ان تفرز في لحظة ما “شرعيات” نهضت لاسقاطها، وتوهمت بانها انتهت الى غير رجعة، ولم تكن تتوقع ان عصور الاستبداد التي خرجت من اجل طي صفحتها ستعود من جديد من خلال “ديمقراطية” مغشوشة يفرضها منطق القوة والجبروت والقهر،لا منطق الاختيار والفرز والانحياز للأفضل والاكفأ.
هل أخطأت الشعوب في حساباتها؟ ربما، هل وقعت النخب في “فخ” السلطة فتخلت عن مبادئها واستهانت بشعوبها وركبت فوق ظهور “الثوار” الذين توهموا بأنهم انجزوا المهمة؟ ربما، هل دخل الآخر على خط “الاجهاض” فرجح الموازين دفاعا عن مصالحه وحلفائه القدامى؟ ربما، هل كانت المجتمعات غير “ناضجة” بما يكفي للتحول الى “الديمقراطيّة” وهل نجحت في “الهدم” وفشلت في البناء؟ ربما ، لكن هل حسم الامر وانتهت القصة ونزل الابطال من فوق المسرح رافعين الرايات البيضاء؟ بالتأكيد: كلا.
عند هذه النقطة الاخيرة يمكن ان نبدأ من اول السطر..فما زلنا في مرحلة ارتدادات الزلزال وربما يكون ما شهدناه جزءاً منها، لكن على الشعوب التي نهضت لكتابة “روايتها” ان لا تستسلم لصوت “الديك” لأن صياحه ليس دليلاً على انبلاج الفجر..فالليل مازال طويلاً والفجر لم يأت بعد.
تماماً كما يتعلم الصغار كيف ينقلون خطواتهم مرتابين من المشي، تعلمت الشعوب منذ ان انفجرت في وجه انظمتها كيف تمشي، ثم تفاجأت بأن أمامها “عراقيل” دفعتها الى الاستسلام والعودة الى “الحبو”، لكنها كما يفعل الاطفال المتشوقون للوقوف على اقدامهم وخوض تجربة المشي من جديد لن تستلم ولن تكف عن التجربة..فقد صار من غير الممكن ان تقبل بأن تظل تمدّ يديها وتصرخ وتنتظر من يعينها بدل ان تتحرك وتعتمد على نفسها…مما يعني ان “قيامتها” الثانية لن تتأخر طويلاً..وأن مشوارها نحو “الحياة” الجديدة سيلد مفاجآت لا مكان فيها للجنرالات.