صاحب الأنف الطويل
ولدت بأنف عملاق نسبيا، لكنه كان يمتلك قدرات عادية تماما في مجال الشم والتنفس، ولم تتح لي الفرصة حتى الان لمعرفة قدراته في حمل النظارات. لكن قدرات أنفي تفتقت بعد أن بلغ العمر مني عتيا واشتعل الرأس ثلجا، حيث صار قادرا على التقاط روائح المشاكل والقضايا عن بعد ميلين …لذلك فإن الأصح ان يكتب مع مقالاتي (بأنف : يوسف غيشان) وليس بقلمه.
بالمناسبة،فلا تقتصر مهمة الأنف على التنفس واستنشاق الروائح المتنوعة، لا بل ان صاحبنا الأنف، قادر على التنبؤ بالكثير من المشكلات الصحية ،حتى ان الطبيب يستدل من لون الأغشية المخاطية على الكثير من الأمراض والإلتهابات الأعراض التحسسية، وهناك نوع بكتيرها اذا وجدت في الأنف بكثرة يستدل الطبيب على أن جسم هذا المخلوق- حامل الأنف- معرض للبدانة وزيادة الوزن.
حتى مرض الزهايمر يمكن تشخيصة من خلال الأنف ، لأن المصاب بهذا المرض يبدا في مراحله الأولى بفقدان حاسة الشم، وهذا ما دفع الأطباء وعن طريق فحص الخلايا العصبية في الأنف الى اكتشاف الكثير من الأمراض النفسية. الأنف الأحمر يدل على الكثير من الأعراض منها حمى القض والإنفلونزا واضطرابات الغدة الدرقية، ولون السائل المخاطي يدل على وجود الكثبر من انواع الإلتهابات التنفسية .
قرأت قبل عقود قصة لكاتب روسي لا اذكر اسمه حاليا ،تتحدث عن شخص نهض في الصباح فلم يجد انفه ، وتستمر احداث القصة والرجل يبحث عن انفه المفقود، ولا أذكر انه وجده. وكنت اعتقد انها مجرد قصة اطفال انذاك، لكنني الآن ادرك مدى عمق هذه الفكرة ،حيث يفقد الإنسان انفه فيفقد معه القدرة على التمييز، ويتحول الى كائن عاجز في محيط مخيف.
اما رواية الشاعر التي عربها مصطفى لطفي المنفلوطي عن مسرحية فرنسية ، فهي تتحدث عن (سيرانو دي برجراك) الفارس الشجاع والشاعر الرقيق صاحب الأنف الطويل، الذي احب ابنة عمه الجميلة روكسانا، ولم يجرؤ على مصارحتها بذلك بسبب انفه الطويل ، لا بل انه يكتب لصديقه الجميل النبيل كريستان الذي يحبها رسائله الغزلية اليها ، لأن صديقه لا يجيد الكتابة …وكانت كلماته تنز حزنا وحبا .
كان صديقنا برجراك يستاء جدا عندما يعيره احد ما بأنفه ، وكان يحل ذلك بالمبارزات التي يخرج منها منتصرا في العادة ، لكن تكاثر الأعداء عليه أدى الى مقتله . اذكر ان الحبيبة اكتشف ذلك متأخرة . المؤسف في القصة هي ان بطل الرواية هو شخصية حقيقية عاشت بين 1616و1655 وكان ضابطا في فصيلة شبان الحرس التابعة للجيش الفرنسي.
وكان اجدادنا يمدحون قوما او قبيلة بوسمهم ب(شم الأنوف) أي أن أنوفهم مرفوعة بالسماء سؤددا شهامة وشرفا وشجاعة وعنفوانا. أما الذليل الذي يجبر على فعل ما لا يريد فكانوا يقولون انه فعل ذلك رغم أنفه، وللدلالة على إذلال شخص لآخر كانوا يقولون: (مرّغ أنفه بالتراب).
كانت العرب تقول: (لسانك حصانك إن صنته صانك وإن خنته خانك) أما حاليا، فينبغي القول: (أنفك طبيبك ..يكشف عيوبك).