(إعلان اربد) يهز شجرة الإخوان..!!
ما حدث داخل البيت الاخواني، هل هو ثورة أو انقلاب؟ حين تدقق في (إعلان اربد) الذي أصدره نحو (50) شخصية تجد أن ماجرى ليس ثورة، على اعتبار ان الذين حركوّا مياه الحركة الراكدة هم من قيادات الصف الأول والثاني فيما لم نسمع صوت (القواعد) الذين يشكلون (وقود) أية ثورة ويضمنون نجاحها، كما تجد ان ما جرى ليس انقلابا، حتى وإن اعتقد من شارك في الاجتماع انه (انقلاب على الانقلاب) باعتبار ان القيادة الحالية للجماعة هي التي سبق وانقلبت على القيادة السابقة، ذلك ان الانقلاب يحتاج الى قوة ضاربة وادوات حازمة وموعد مفاجئ يصدم الجميع، وبالتالي يمكن ان نقول: ماحدث أقرب ما يكون الى (تلويح) بالانقلاب، أو أنه- إن شئت الدقة – محاولة (للتمرد) وإعلان العصيان تمهيدا لاشهار الانشقاق.
كل ذلك لا ينتقص ابدا من خطورة (الاعلان) ليس فقط في المضامين التي احتواها، ولا في التوقيت الذي سبق انتخابات مجلس الشورى بعدة أيام، وانما -ايضا- بالجرأة في النقد، وفضح المسكوت عنه، وبالاسماء التي شاركت من جهة لونها الديمغرافي والسياسي، وفي المكان الذي عقد فيه الاجتماع، واللحظة السياسية (الحرجة) التي تمر بها الحركة داخليا واقليميا.
لأول مرة في تاريخ الجماعة يخرج (اعتراف) من داخلها بأن هناك تنظيما سريا يتولى الاشراف عليه المراقب العام،(لم نعرف اهدافه ولا من يقف وراءه؟) ولأول مرة أيضا نسمع عن مطالب علنية بإقامة جماعة جديدة باسم الاخوان المسلمين، مما يعني ذلك نزع الشرعية عن الجماعة القائمة التي مازال ترخيصها مجالا للجدل القانوني و السياسي، وبالتالي فإن اقتراب (الربيع العربي) من اسوار الاخوان المسلمين، بالدعوة الى اسقاط (التنظيم) ومحاسبة المراقب العام واعادة تشكيل القيادات، يتجاوز كل ما ألفناه داخل النظام من دعوات للاصلاح او لترتيب البيت الداخلي، وهو بهذا المعنى (زلزال) كبير، سيكون له ارتداداته، سواء داخل الجماعة، أو في محيطها السياسي الذي ينتظر هذه الفرصة للانقضاض عليها، لكن تنفيذ هذا الانقضاض (كما يفترض خصومها ) سيترك (للجماعة) نفسها، على افتراض انها ستدمر نفسها بنفسها، تماما كما فعل الدب بصاحبه.
اذا صرفنا النظر عن عملية النقد الذاتي التي تضمنها الاعلان، فيما يتعلق بواقع الجماعة وانحسار تأثيرها وعجز قياداتها الحالية عن القيام بمهامها، ومسارات العلاج التي تم تحديدها لانقاذ الجماعة في المجالات الفكرية و السياسية و التربوية والتنظيمية والادارية، ثم دققنا في الخطوات العاجلة التي تشكل -كما اعتقد- هدف الاعلان وجوهره، فإن استجابة الجماعة لمثل هذه المطالب تبدو غير واردة، خذ مثلا الدعوة الى حل المكتب التنفيذي، وابعاد الاشخاص الجدليين الذين اسهموا في اثارة الازمات، وكذلك الدعوة الى انشاء تنظيم جديد باسم الاخوان المسلمين، ربما يمكن فهم هذه المطالب ذات السقوف العالية في اطار “التهديد” والتصعيد، فيما تبقى خطوات العلاج الاخرى ممكنة وضرورية ايضاً، واهمها إلغاء المحاكمات ووقف اشكال التعبئة والتحريض داخل الصف، واستقالة القيادة الحاليّة،والاتفاق على شخص الامين العام بشكل توافقي..ناهيك عن باقي الاصلاحات في مسار الدعوة والعلاقة مع المجتمع وفي المسار الاقتصادي والسياسي ايضاً.
في اطار ما جرى في “اجتماع اربد” يمكن تسجيل اربع ملاحظات، اولاها: أن تيار “زمزم” الذي تعرضت قياداته الثلاث للمحاكمة مبدئياً بالفصل، لم يستلم للقرار، ولم يكتف “بالدفاع” عن نفسه، وانما بداً بالهجوم على الجماعة ، وكشف جزءاً من “اسرارها” ومواطن ضعفها، وهو بهذا التلويح بالانقلاب او التهديد “بالاستيلاء” على الجماعة يريد ان يهزّ شجرة “الجماعة” ويدفعها الى تصحيح مسارها، ومع انني لا اعتقد انه سينجح في ذلك الاّ ان الجماعة قبل “الاعلان” هذا لن تبقى ابداً كما كانت قبله، اما الملاحظة الثانيّة فهي ان مسارعة الجماعة الى عقد جلسة طارئة لمجلس الشورى يعني ادراكها لخطورة الحدث، ومحاولتها لطويقه وايجاد ما يلزم من ادوات للتعامل معه، واعتقد –هنا- ان اي صفقة ممكنة لن تتجاوز اطار الانتخابات التي تزامنت مع هذه النازلة بمعنى ان “العرض” الذي سيقجم لتيار زمزم وانصاره والمتعاطفين لن يتجاوز “التواقف” عبر الصناديق الانتخابيّة ، مما يعني ان المطالبات الاخرى التي تتعلق باقالة القيادات التي هي جزء من المشكلة او اقصاء الآخرين الذين كانو مصدر “التأزيم “ لن تجد طريقها الى الاستجابة، اما الملاحظة الثالثة فهي ان “اعلان اربد” يشكل -واقعياً- لحظة تاريخية للمفاصلة بين تيارين ومشروعين داخل الحركة، واعتقد ان لدى كل طرف منهما رغبة في الطلاق، ورغبة -ايضاً- في “الاستيلاء” على الجماعة وامتلاك “النفوذ” داخلها،،ومع اختلاف موازين القوى داخل الجماعة، تبعاً لعوامل التحالفات والقواعد الشعبية والدعم والتمويل، فان من المتوقع ان يسفر هذا الصراع عن انشقاق يرافقه اضعاف الطرفين معاً، وهذا يفتح الباب امام الملاحظة الاخيرة وهي تتعلق بالفرصة التي اتيحت لخصوم الحركة من اجل “تطويقها” وحصارها تمهيداً “لوضعها” تحت السيطرة، وتوظيف خلافاتها وصراعاتها لحساب تمرير مقررات ووصفات سياسيّة تنسجم مع ما جرى في محيطنا بعد اجهاض ربيع الشعوب…واستعادة الانظمة لزمام المبادرة من اجل اعادة عقارب الساعة الى الوراء.
اذا كانت “الجماعة” ادركت فعلاً خطورة ما جرى في “اربد” وتريد حقاً ان تخرج من هذا “الفخ” الذي وضعت نفسها فيه، وان لا يتكرر معها نموذج ابن علي “الان فهمتكم”، فلا بدّ ان تتحرك على الفور “لتطويق” الحريق ومواجهة ارتدادات “الزلزال”، كيف؟ لا استطيع ان اضيف اي جديد على ما تضمنه اعلان “اربد”، اما فيما يتعلق بالاخوان الذين بدأوا “الهجوم” وقرروا “المفاصلة” فاعتقد ان رسالتهم وصلت، وان من واجب الذين يتعاطفون معهم داخل الحركة وما زالوا صامتين ان يقولوا كلمتهم، لكي يقتنع الذين كانوا جزءاً من الازمة ان الطريق أمامهم اصبح مسدوداً وانهم بين خيارين: إما المضي في مسار التصحيح والتطهير والنزول المتبادل من فوق الشجرة، أو أن يركبوا رؤوسهم؛ ما يعني التضحية بالجماعة وبمصالحهم وخسارة كل شيء..وتدمير “المعبد” على كل من فيه لا قدر الله.