حمص «أول الثورة» … و«آخرها»
يحدثونك عن “كنز” خبيء في حمص القديمة … الإعلام المناهض للنظام، يتحدث عن أسرى إيرانيين وضابط روسي محتجزين لدى المسلحين المعتصمين في أزقة البلدة القديمة وحاراتها … فيما إعلام النظام، ينقل تسريبات عن “صيد استخباري” رفيع المستوى، لدولة / دول عربية أو إقليمية، فضلاً عن بعض الرؤوس الكبيرة للمعارضة السورية المسلحة … وكلا الفريقين يفسر كل هذا الاهتمام بإنجاز “صفقة حمص”، وتعدد الأطراف المنخرطة في مساعيها، بما يضفيه من أهمية نوعية على “هوية” مجهولي الهوية المحتجزين في “عاصمة الثورة السورية”.
أين هي الحقيقة؟ … لا أحد يعرف حتى الآن، وقد لا نعرف أبداً … هل هي عند فريق السلطة أم لدى فريق المعارضة … المرجح أنها لدى الطرفين، فالمعركة في حمص وحولها، كانت جديرة باستدعاء كل أشكال الدعم والإسناد لفريقي الصراع، ولا نستبعد أن يكون من بين المحتجزين لدى المسلحين، ضباط إيرانيون وروس وربما عناصر من حزب الله … كما لا نستبعد أن تكون من بين المسلحين، عناصر وشخصيات أمنية رفيعة، تتبع أجهزة استخبارية وعسكرية لعدد من الدول الداعمة لهؤلاء، والأرجح أن من بين المحاصرين، مسؤولين كبارا وضباطا منشقين رفيعي المستوى، فمعركة حمص، كانت كالنار التي تجذب الفراش من الأرجاء الأربع.
لكن هذه المعركة تضع أوزارها اليوم، أو هي في طريقها إلى ذلك … خليط المسلحين من الجيش الحر والنصرة وبعض “داعش”، في طريقه للخروج إلى الأرياف الشمالية لحمص وحماة، وصولاً ربما لريف إدلب وحلب والأراضي التركية … وبهذا يُسدل الستار على الوجود المسلح للمعارضة السورية، في المنطقة الوسطى، أو بالأحرى في المنطقة الممتدة من الساحل إلى دمشق، مع بقاء محتمل لجيوب مقاومة في ريف حمص الشمال وبعض مناطق الغوطة الشرقية، هي طريقها للتسوية أو الهزيمة كما تشير لذلك، دلائل الميدان ومؤشراته.
تحت رايات الأمم المتحدة وبضمانتها، سيخرج المئات من مقاتلي “النصرة” و”داعش” من قلب الحصار إلى ساحات القتال المفتوحة في الشمال … لا ندري إن كانت هناك سابقة أممية، تولت فيها المنظمة الدولية، رعاية وحماية مقاتلين يتبعون لمنظمات مصنفة إرهابية في سجلاتها ونقلهم إلى “ملاذات آمنة”، وبسلاحهم الفردي والخفيف، وبإصرار على مواصلة القتال … لا ندري إن كان من بين هؤلاء مجاهدين عرباً وشيشانيين وأوروبيين، سيعمل المراقبون الأمميون على توفير الحماية لهم، لا للعودة إلى بيوتهم وبلداتهم، او بالأحرى إلى سجون بلادهم ومحاكمها، بل للانتقال من خط مواجهة ساقط عسكرياً، إلى خطوط مواجهة أكثر تحصيناً وتجهيزاً لمزاولة القتال واستئناف الجهاد … أحسب أنها سابقة فريدة من نوعها … أليست الحرب في سوريا فريدة من نوعها كذلك؟!.
تسوية حمص أو “صفقتها” تأخرت بعض الشيء، والسبب يعود لوجود مقاتلين من “النصرة” و”داعش” بين الجماعات المسلحة المتحصنة في المدينة، والذين عملوا ما بوسعهم لإجهاض المصالحة وقطع طريق التسوية، وأرسلوا في سبيل ذلك، القذائف والسيارات المفخخة، والهدف “تفخيخ” المفاوضات والوساطات وتفجيرها … لكن التيار الجارف بين المسلحين، خصوصا السوريين منهم، والذي كان يدفع باتجاه الخلاص من عنق الزجاجة والخروج من مأزق الحصار المميت في المدينة، دفع هؤلاء للانحناء أمام العاصفة، والتجاوب مع خطط الجلاء عن المدينة، وإعادتها إلى أهلها الذي شُرّدوا عن بكرة أبيهم، أو كادوا.
لكن المشكلة التي استجدت بعد ذلك، وتتصل بمصير هؤلاء “الجهاديين” وأين سيذهبون، ساهمت بدورها بتأخير إتمام الصفقة … فأهالي القرى التي يقترحون الانتقال إليها، عبّروا عن رفضهم لاستقبال هؤلاء، إذ أن فيها ما يكفيها من متاعب المسلحين وسطوتهم … ثم أن “حروب التطويق والإبادة” المشتعلة بين “داعش والغبراء”، في الأرياف الشمالية الشرقية، ستجعل من المحتوم، أن يقتل هؤلاء المسلحون بعضهم بعضاً، ما أن تُرفع عن أعناقهم سكين الجيش السوري الذي يطبق على المدينة، ولعله من المثير للاهتمام، متابعة المصائر التي سينتهي إليها ما بين 2200 – 2500 مقاتل سيغادرون المدينة القديمة في الأيام القليلة القادمة.
وأحسب أن الإجهاز على الوجود العسكرية للمعارضة السورية و”الجهاديين” في وسط سوريا، ومناطق حمص والقلمون، سيطلق من جهة، عجلة المصالحات والتسويات، ويسرّع وتيرتها، بدءًا بالزبداني وجوارها … وسيعجل من جهة ثانية، عمليات الحسم العسكري في المليحة وجوبر، وصولاً إلى دوما، لتكتمل بذلك نطاقات السيطرة الحكومية على دمشق الكبرى ووسط سوريا وصولاً لشمالها… أما حمص التي كانت “أول الثورة”، فهي مرشحة لأن تكون “آخرها” كذلك، فالخط البياني لما يجري في ساحات المعارك والقتال، يشير إلى تقهقر المعارضات المسلحة، واستعادة النظام لزمام المبادرة الاستراتيجية.
بعد أربعة أشهر من فشل جنيف 2، ومحاولة الدول الداعمة للمعارضة المسلحة “تغيير موازين القوى على الأرض”، وتوجه العديد من هذه الدول، لزيادة دعمها للمعارضة بأسلحة نوعية كاسرة للتوازنات، تبدو الحقائق على الأرض، تذهب في اتجاه آخر … النظام أنجز معركة دمشق وأريافها وغوطتيها تقريباً، وهو نجح في “تنظيف” حمص والقلمون وتحييد “الجبهة اللبنانية”، وقواته تتقدم على محوري ريف اللاذقية وحلب، فيما جبهة درعا – القنيطرة، متروكة لمراحل لاحقة، بعد أن باتت عبئاً على الأمن الأردني، بدل أن تكون تهديداً لأمن النظام السوري وعاصمته.