انتخابات في ظلال «الهواجس»
أربع دول عربية رئيسة، شهدت أو هي في طريقها لأن تشهد، انتخابات رئاسية وبرلمانية حاسمة: الجزائر والعراق، مصر وسوريا … أما القاسم المشترك الأعظم بين هذه الانتخابات، فيتجلى في كونها تجري تحت ظلال الهواجس والمخاوف … هواجس المواطنين من عودة الديكتاتورية، ومخاوفهم من ظواهر العنف والإرهاب والتطرف الإسلاموي.
في الجزائر، بدا المشهد شديد الإعياء … الشعب ينتخب رئيساً على كرسي متحرك، لم يظهر في حملة انتخابية، وهو بالكاد تمكن من إلقاء خطاب القسم القصير للغاية … ومع ان الأعمار بيد الله، ونتمنى للرئيس الجزائري عمراً مديداً بتمام الصحة والعافية، إلا أن أحداً من الذين انتخبوا عبد العزيز بوتفليقة، لم تكن لديه الثقة أبداً، بأن الرجل سيكمل ولايته الدستورية الرابعة … الجزائريون يعرفون من يقف خلف الرئيس، ومن يحكم البلاد تحت صورته ويافطته، لكنهم آثروا “الاستمرار/ الاستقرار” على المقامرة بالتغيير، ودائماً تحت هاجس “العشرية السوداء”، وخطر عودة الإرهاب المتدثر بلبوس إسلامي كريه … انتخابات الجزائر، بكل المعايير، لا يمكن اعتبارها خطوة للأمام، هي مراوحة حول الذات في أحسن الأحوال، والمرجح أنها خطوة للوراء.
في العراق، حيث النظام البرلماني يعطي رئيس الحكومة صلاحيات رئاسية كاملة، جرت الانتخابات في ظلال هاجسين اثنين، ليسا مختلفين عن هواجس الناخبين في الجزائر ومخاوفهم … الهاجس الأول، عودة الرئيس نوري المالكي لولاية ثالثة، يستكمل خلالها إحكام قبضته على السلطة والثروة، وبالضد من إرادة الأكراد وبقية الشيعة ومعظم العرب السنة … أما الهاجس الثاني، فيعيشه العراقيون واقعاً يومياً، مجللاً بالدماء والأشلاء وغبار العمليات الانتحارية … العراقيون على ما يبدو، منحوا المالكي وقائمته، مكان الصدارة، وربما بعدد أكبر من المقاعد عن تلك التي حظي بها في انتخابات 2010، ودائماً تحت ضغط الخوف من التغيير، والخشية من انفلات الأوضاع الأمنية، مع أن العراقيين غير آمنين في بيوتهم وأماكن عملهم، ومعدل قتلاهم شهرياً يراوح ما بين 750 إلى 1000 قتيل، وأضعافهم من الجرحى والمصابين.
في مصر، ستجري الانتخابات قبل نهاية الشهر الجاري … النتيجة النهائية معروفة سلفاً، الجنرال السيسي سيأتي على جناح أغلبية شعبية واسعة … هاجس الإرهاب والأصولية الجهادية و”الإخوان” يقض مضاجع الناخبين المصريين، أو كثرة كاثرة منهم … سيعطون أصواتهم للسيسي، مع علمهم المسبق، أن مصر سائرة نحو الديكتاتورية وإعادة انتاج نظام مبارك القديم بحلّة جديدة، لكنهم مع ذلك سيختارون الاستقرار مع الديكتاتورية على الديمقراطية مع استمرار القتل والتفجيرات والفوضى … مع أن الديكتاتورية لم تجلب أمناً ولا استقراراً على المديين المتوسط والطويل، بل هي باعث على الفوضى والخراب والعنف الأهلي والمجتمعي… المصريون قرروا “تجريب المجرب” على ما يبدو، وهذا ما سنراه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
أما سوريا، فتلكم حكاية أخرى … كثرة كاثرة من المرشحين سيخوضون غمار الانتخابات، أو بالأحرى غمار الترشيح، واحد أو اثنان منهم فقط، وعلى أبعد تقدير، سيتمكن من توفير شروط الترشيح القاسية … الأسد عائد لولاية ثالثة، وعائد بقوة، والأرجح بأغلبية مريحة، لن تكون 99.99 بالمائة على طريقة الاستفتاءات السورية المعروفة، لكنها أغلبية مريحة، وقد تكون حقيقية بالمناسبة، بمعنى انتفاء الحاجة للتزوير لانتفاء المنافسة الجادة والجدية … وقد تكون حقيقية أيضاً بمعنى أنها تعكس رغبة السوريين في استعادة “يومياتهم القديمة”، واسترداد أمنهم وأمانهم … لكنها ليست الانتخابات التي تؤشر إلى ولوج سوريا عتبات التغيير والحرية والديمقراطية … هذه القيم والمبادئ، لن تكون أبداً من مخرجات الانتخابات الرئاسية القادمة … كما أن الانتخابات بذاتها، لن تكون علامة فارقة على طريق حل الأزمة السورية، بل تفصيلاً ثانوياً، لن يقدم ولن يؤخر.
في العام 2007، نظم مركز القدس للدراسات السياسية مؤتمراً قومياً حول نتائج “موجة الانتخابات البرلمانية والرئاسية” التي كانت اجتاحت الدول العربية قبل سنوات ثلاث من اندلاع شرارات “الربيع العربي”، يومها حمل المؤتمر عنواناً يليق بتلك الانتخابات: “الانتخابات في العالم العربي … خطوة للأمام أم خطوة للوراء” … وأحسب أن المركز سينظم هذا العام أو العام المقبل، مؤتمراً مماثلاً، وربما تحت العنوان ذاته … فالانتخابات في العالم العربي، عادت لتأدية وظيفتها القديمة: تجميل الصورة القبيحة لنظمنا السياسية، وهي غالباً ما تكون خطوة للوراء، أو مراوحة في نفس المكان … وقلة هي الدول العربية، التي تشكل انتخاباتها خطوة للأمام، لكأن قطار الربيع العربي لم يمر بعواصمنا.