0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

عندما تتدنى المعايير!

كتبت سيمون دو برفوار ذات يوم، وفي ذروة الاحتدام بين اليسار واليمين مقالة عن كاتب الحدود الإقليمية لشخصيته هي قبعته وحذاؤه، وقالت أيضا إنه أحمق، لكن ما أثار انتباهها -بل دهشتها- هو ما سمعته من أحد المدافعين عنه والمتحمسين له، فأدركت أن للاحمق أيضا معجبين به، وهم الأشد حماقة منه.

تتكرر هذه الحالة مراراً في حياتنا سواء أكانت ثقافية أم من تفاصيل الحياة اليومية، فالمقاييس كلها نسبية في نهاية المطاف، فمن يملك ألف دينار فقط يُعتبر ثرياً وربما فاحش الثراء بالنسبة لمن لا ثمن رغيف معه، لكنه يصبح أقل من فقير مدقع إذا قورن بملياردير، وتصح هذه النسبية على الجمال والقبح والمعرفة والجهل ولولا هذه النسبية لأصبحت الحياة مستحيلة لأن الناس عندئذ سيرون الحقائق كما هي بعريها وقسوتها ومراراتها.

لكن المقاييس النسبية تتيح للأقل فقراً أن يكون الأغنى وللأقل قبحاً أن يكون الأجمل وللأقل خوفاً أن يكون الأشجع!

لكن الفارق بين البشر هو أخيراً منسوب الوعي وما يتقطَّر من الخبرة، فالبعض تكون تجاربهم المتكررة أشبه بمطر غربال لا يبقى منها شيء لهذا يكررون الأخطاء ذاتها، وقد ينطبق هذا على مجتمعات أيضا وليس فقط على أفراد، لهذا قال جورج ساتيانا في تأملاته إن الشعوب التي لا تقرأ تنمو دائرياً حول نفسها وتتحول حياتها الى كوميديا أخطاء!

والأحمق الذي يكتفي بإعجاب من هم أكثر حمقاً به لا ينظر إلا للوراء فقط، وأحياناً إلى قدميه وبمرور الوقت وتفاقم الأوهام يصبح في نظر نفسه معصوماً ولا حاجة به الى أية مراجعة أو نقد ذاتي، إلى أن تأزف اللحظة الحاسمة ويدفع الثمن لكن بعد فوات الأوان.

ومن آفات التخلف -إضافة  إلى آفة الاختزال والحذف- تدني المعايير وإحراز بطولة السباحة في غدير أو مستنقع، رغم أن هناك محيطات وأنهاراً, وللتربية والإعداد النفسي دور كبير بهذه الحالات، خاصة في مجتمعات تنكفئ داخل شرانقها وتتوقف عن النمو في طور العذراء، في مثل هذه المجتمعات يحلُّ الأقل سوءاً مكان الأفضل، ويطلب من الفرد أن يلعب بالمقصوص كما يقال حتى يأتي الطيار فيقضي عمره كله بلا تحليق، وهو يعبث بطيور بلا ريش وأجنحة ليكتشف أنها في حقيقتها مجرد سلاحف!

ما من حكيم أو فيلسوف إلا وحسد الجاهل الذي ينعم بجنة اليقين، وهناك فلاسفة مثل برتراند رسل حسدوا الجاهل على حريته اللامحدودة، فهو بسبب جهله وضيق أفقه لا يشعر بأي نقصان، لهذا يتلذذ برائحته ويأكل بشهية حيوان وينام باستغراق دب!

إن النسبية التي تخلق للحمقى معجبين بهم وهو الأكثر حماقة منهم، هي الحجاب الحاجز بين الحلم والواقع وبين الذات والآخر، ولولاها لكانت الحياة جحيماً لا يُعاش!!